قسم عالم الاجتماع "أبراهام ماسلو" الحاجات الإنسانية إلى مستويات متدرجة عبر نظريته النفسية للحاجات الإنسانية الواجب إشباعها، والتي تؤثر على سلوكه وتصيبه بالتوتر والقلق إذا لم تشبع بالمقدار الكافي والمناسب، فيظل الإنسان في حالة بحث دائمة عنها ويسعى بكل الطرق المتاحة إلى إشباعها. تتوزع الحاجات الإنسانية في نظرية ماسلو التي صاغها بشكل هرمي بحسب أولويتها وأهميتها للإنسان، فبدأ من الحاجات الفيسولوجية كالطعام والشراب، ومن ثم الأمن كالأمن الوظيفي والأسري ومن بعدها الحاجات الاجتماعية كالصداقة ومن بعدها الحاجة للتقدير وصولاً لآخر الهرم وقمته، حيث تتربع حاجة تحقيق الذات التي من خلالها يمارس الإنسان الابتكار والاكتشاف وحل المشاكل. على المستوى النظري نرى أن ماسلو صنف الحاجات الإنسانية بشكل متدرج ومرتبط ببعضه البعض بنظام متسلسل، بمعنى أن الإنسان لن يقفز في تحقيق احتياجات عليا دون أن يحقق الأدنى منها، فمثلا لن يسعى الإنسان إلى تحقيق الذات والابتكار وهو جائع دون طعام أو مريض دون علاج وهكذا. وعلى المستوى العملي وعلى أرض الواقع تقفز إلينا المشكلات التي يعاني منها المواطن والتي تحتل الحيز الأكبر من اهتمامه، والتي يسعى إلى تحقيقها ليشبع حاجته الطبيعية والتي شكلت الحكومات في العصر الحديث وزارات مختصة وهيئات حكومية لإدارة تلك العناوين وتلبية حاجات المواطنين من تلك الخدمات. وقد يكون من أهم تلك الأمور المهمة والحساسة في وقتنا الراهن هو مسألة السكن التي تندرج ضمن حاجات الأمان الإنسانية ومن أهم عوامل الاستقرار النفسي، وكذلك الحال في الخدمات الصحية التي تمس الإنسان بشكل مباشر في جسده وسلامته. تعتبر الوزارات الخدمية الثلاث الإسكان والصحة والتعليم من أهم الوزارات التي تتداخل ويوميات المواطنين في بلدنا والملفات التي تشرف عليها تلك الوزارات تعتبر من أولويات المواطن التي ينتظرها من الحكومة ممثلة في وزاراتها تلك. والقيادة العليا في المملكة وعبر العقود الفائتة وإلى الآن رصدت الميزانيات الضخمة والتسهيلات الكثيرة إلى تلك الوزارات لتحقيق أهداف وخطط القيادة، وبالخصوص وزارة الإسكان التي وللأسف لم نلمس كمواطنين أثرها الفعلي على أرض الواقع حتى تفاقمت أزمة السكن، إلى حد صار يعجز فيه المواطن العادي عن امتلاك مسكن مناسب في ظل التضخم الكبير لأسعار الأراضي وارتفاع الإيجارات. موضوع الصحة هو الآخر حساس ومهم وعانى لسنوات طويلة من القصور في أداء المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، ولا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام المختلفة عن المشاكل والأخطاء والقصور في هذا الجهاز. وملف التعليم هو الآخر حافل بالهموم والمشاكل التي تبدأ من المناهج الدراسية العلمية ومدى ملاءمتها لمتطلبات السوق وصولاً إلى أهلية المعلمين والمباني المدرسية. لا توجد لدينا أزمة مادة وأموال، فنحن نعيش في دولة حباها الله بالثروة والغنى، والميزانيات السنوية التي تخصصها القيادة لتلك الوزارات خير شاهد على ما أقول، أزمتنا إدارية بحتة ولذا فهي تحتاج إلى رجال إدارة مؤهلين وقادرين على إدارة ملفات وزاراتهم بكفاءة، والقضاء على الفساد الإداري الذي يعيق التنمية، وهذا ما نشهده في الأشهر الأخيرة عبر الإعفاءات والتعيينات الوزارية التي شملت تلك الوزارات والتي نتأمل من الله أن تكون عند حسن ظن القيادة والشعب. * كاتب