لسنوات غير قليلة ظل العالم العربي والإسلامي بجماهيره ونخبه يُحسن الظن بتنظيم حزب الله في لبنان ويتعاطف معه لا سيما خلال قتاله المحدود ومعاركه القصيرة مع إسرائيل وظهر هذا التعاطف جليّاً في حرب تموز 2006م. ولم يكن التعاطف ناجماً عن قراءة فاحصة ولا دراسة معمّقة للظروف التاريخية والخلفيات الطائفية والمضخات اللوجستية الداعمة للحزب القادمة من طهران. ولكن هذا الزخم الشعبي بدأ في الاحتراق عندما قرر الحزب أن ينزل بكل قوته العسكرية لا لحرب إسرائيل ولا للدفاع عن فلسطين كما كان إعلامه يردد مراراً، وإنما نزل ليقاتل الشعب السوري في ثورته على النظام الإجرامي في دمشق، وتبلغ المفارقة مداها عندما يسبغ الخطاب الإعلامي للحزب غطاء طائفياً لإقناع جماهيره بتأييد قتال الشعب السوري تحت لافتة حماية المقدسات، وكأنّ الشعب السوري ثار لأجل مطالب طائفية أو أجندة فئوية مع أن الجميع يعلم أن الثورة السورية كانت ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة لكل فئات الشعب السوري بكافة طوائفهم ومذاهبهم. في كل مرة كان تنظيم حزب الله يضحي بكل منجز يحققه على المستوى العربي أو على المستوى اللبناني إذا تعارض مع الأجندة الإيرانية، وهذه الحقيقة أدركتها نخبة قليلة من علماء المسلمين منذ زمن طويل، وكان يوصف أصحاب هذا الرأي بضيق الأفق ولكن الأحداث اليوم تؤكد نظرتهم الثاقبة. يمكن القول إن حزب الله اللبناني خسر الرصيد الشعبي الذي بناه خلال سنوات طويلة بخطاب تعبوي مزيف بعد مشاركته في قتل الشعب السوري وتخضب دماء مقاتليه بدماء السوريين، واليوم مع انطلاق عاصفة الحزم في اليمن التي تستهدف الحفاظ على الشرعية في اليمن وقطع الشوكة الحوثية التي تعتبر نسخة إيرانية مشابهة لحزب الله في لبنان يعود أمين حزب الله ليشن هجوماً على السعودية والخليج وعلى عاصفة الحزم متباكياً على اليمن والوحدة العربية ولكن هذا الخطاب يبدو اليوم في أضعف حالاته ومصداقيته لدى عامة العرب في الحضيض، فالحريص على وحدة العرب لا يأتمر بأمر غير العرب ولا يقبل أيديهم ولا يحني جبهته لهم فضلاً عن أن يمارس قتل العرب كل يوم لأجل أجندة غير عربية ولا حتى إسلامية بالمعنى الشرعي الصحيح. إن هذا الغضب والحنق الذي جعل أمين الحزب يتهجم على عاصفة الحزم يعد من أهم المؤشرات التي تدل على أن قرار شن عاصفة الحزم كان قراراً صائباً وبالاتجاه الصحيح نحو تطهير اليمن من الأذرعة الأجنبية في البلاد العربية، وهذا التطهير لا يستهدف أي مكون من مكونات الشعوب العربية أياً كانت طائفته ومذهبه وإنما يستهدف كل من رضي بأن يكون مطية وأداة للمخططات الإيرانية التي تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة العربية.