في عام 1974 حلت مجاعة طاحنة عصف بباكستان الشرقية (بنجلادش) أثرت كثيرا على واقع البلاد، حيث كانت الأزمة شديدة وأثرت على قطاع واسع من الشعب خصوصا في المناطق الريفية والقرى، وهنا تبرز جمالية القائد وروعة الإنسان المبادر الذي لا يستسلم للظروف. انبرى لهذه المشكلة أستاذ الاقتصاد في جامعة بنجلادش د. محمد يونس وبدأ يزور القرى والمناطق المتضررة ويتأمل كيف يحول علمه إلى واقع يعيشه الناس يرتقي بحياتهم ويحل مشاكلهم، وفعلا كان عازما على إطلاق مبادرة شخصية متواضعة، حيث لم يرد أن يبقى يطلق النظريات في الجامعة وينتظر راتبه الشهري وترقياته السنوية كباقي زملائه، فكان يؤمن بأن الجميع عليه دور أمام هذه الأزمة الطاحنة. بدأ محمد يونس بقرية واحدة وأقنع أهلها والمسؤولين هناك بفكرة القروض الصغيرة للمشاريع متناهية الصغر ترفعهم من حال الفقر وتجعلهم يتكسبون ودورة الاقتصاد تعود للعمل من جديد، انطلق من قرية جوبرا ودفع من جيبه الخاص 2400 دولار مقسمة على 42 سيدة بنجلادشية لكي يشترين خشب البامبو ويصنعن كراسي خشبية وبعض الأثاث، واتفق على أن يُرد المبلغ بعد بيع السلعة ليتم إقراضه لأشخاص آخرين وكان القرض بهامش ربح رمزي (نصف بالمائة) لتغطية المصاريف الإدارية, ثم انشأ أكاديمية صغيرة للتدريب لرفع مهارة المقترضين وتعليمه الصناعات والأعمال والحرف المنتجة، وأصبح العمل بالتوازي بين الإقراض والتدريب وبدأت دائرة الإنتاج تنطلق والعوائد تتحقق. كانت البنوك البنجلادشية لا تقرض البسطاء وكانت تطلب ضمانات كبيرة للحصول على القروض وهذا يتعذر على شريحة كبيرة من الشعب هناك. استمر المشروع وكان صداه مدوياً وفعلاً اقنع محمد يونس احد البنوك الحكومية بالدخول في هذا المشروع المهم الحيوي ثم اقنع بنوكا أخرى بالشراكة وبدأ هذا الرجل العظيم يقطف الثمرة فأصبح هناك 28000 عميل مستفيد من هذه القروض الإنتاجية متناهية الصغر. بعد ذلك تأسس بنك خاص بالفقراء سمي «جرامين» وهو بنك قائم على فكرة التكافل الإسلامي، ليرعى هذه المبادرة ويتوسع بها وهو بنك غير ربحي الهدف منه هو تحويل الفقراء إلى طاقة منتجة ترتقي بالفرد والمجتمع والوطن فبعد أن كانوا يداً دنيا تأخذ أصبحوا يداً عليا تُعطي. في عام 2007 كان بنك «جرامين» قد اقرض 7,5 مليون بنجلاديشي فقير لعمل مشروعات بقيمة إجمالية 3,4 مليار دولار واعتبرت الأممالمتحدة والبنك الدولي هذا البنك من أعظم المشاريع في العالم وحاز الاقتصادي المسلم د. محمد يونس جائرة نوبل للاقتصاد نظير أعماله الجليلة ومبادراته الخلاقة التي تم استنساخها بعد ذلك عبر توقيع شركات تنقل الفكرة لكثير من بلدان العالم.