قبل ليلتين قضيت أمسية جميلة في مزرعة هادئة بالقرب من الدرعية، وكانت هذه الأمسية بحضور عدد من الكتاب والمثقفين وأعضاء مجلس الشورى الذين اجتمعوا تلبية لدعوة كريمة من أستاذنا القدير وكيل وزارة التربية والتعليم الأسبق د. عبدالعزيز الثنيان، وكانت هذه الدعوة على شرف مجموعة رائعة من أهالي الأحساء الكرام، والقصة ابتدأت عندما قام بعض النخب بالذهاب للأحساء وتقديم العزاء في ضحايا حادثة الدالوة، وكان من بينهم الدكتور الثنيان الذي قدّم لهم الدعوة لزيارة الرياض، وفي هذا الأسبوع قرر الأحسائيون تشريف الرياض بإكمال الفصل الثاني من قصة التواصل الجميل. كانت تجربة «التعايش الأحسائية» هي عروس السهرة، وكان الجميع يحاولون التغزل بها وخطبة ودها، واتفق الموجودون في القاعة على ضرورة المحافظة على هذه العروس، وأن تطوف البلاد كلها لتضع في كل بلدة مولودة تشبهها، فالهدف الأسمى تسويق النجاح التعايشي الذي أتقنه الأحسائيون. الدكتور عبدالإله العرفج تحدث عن الليلة الأولى التي أعقبت «الدالوة»، ووصف الشعور المخيف الذي أقض مضاجعهم جميعاً، فكان الوصول لسيناريو ما يحدث في العراق وسوريا هو الشبح الذي سيطر على مخيلاتهم، ولذلك انتفضوا انتفاضة رجل واحد للقضاء على نبتة الفتنة في رحمها، والمحافظة على تعايشهم العميق. الأستاذ محمد الحرز من طرفه تحدث عن الفراغات التي تحاول إيران استغلالها للدخول إلى الشيعي السعودي، وكان حديثه يعبر عن الحاجة لمشروع قوي ضد هذا التوجه. قصة الطرب في الأمسية كانت من الشاعر جاسم الصحيح الذي يتقن رسم القصيدة ويبدع في التغني بها، وقال في النثر الذي حضر قبيل الشعر إن «التعايش الأحسائي» يتفق مع الطبيعة، والانسجام بين مكونات الطبيعة هو الأصل، وفي النهاية القصيدة ليست شيعية ولا سنية. الدكتور هاني الملحم استعرض تجربة مهاتير محمد الماليزية في التعايش السلمي، وحجم الدور العظيم الذي يقع على الإعلاميين والتربويين في تعميق القواسم المشتركة بين فئات المجتمع الماليزي الذي تعيش فيه الأكثرية المالاوية مع الأقلية الصينية والهندية. الدكتور سعد الناجم كان له رأي آخر في «التعايش الأحسائي»، فهو يؤكد أن الأحساء تعيش فكرة الاندماج الاجتماعي وليست كما يشاع في مربع التعايش. ما يبهج الفؤاد وقوف الأحسائيين بكافة مذاهبهم وطوائفهم مع عاصفة الحزم، ومع قيادة هذا البلد، والمنجز الوحدوي الكبير الذي أتمه الملك عبدالعزيز رحمه الله هو أمانة في أعناق الجميع، والمحافظة عليه واجب محسوم. ملاحظة هامة.. هذه الأمسية فعالية خاصة وبعيدة عن أي جهة رسمية.