أخبرني هاروهيكو كورودا الحاد الطبع في عام 2006، وذلك قبل سبع سنوات من أن يصبح محافظ بنك اليابان، أنه يعتقد أن الصين كانت ترفع مستويات المعيشة الخاصة بها على حساب جيرانها الآسيويين. وقال لي كورودا، الذي كان رئيسا لبنك التنمية الآسيوي في ذلك الوقت، في مكتبه المطل على أفق مانيلا: «العلاقة بين أسعار الصرف والحد من الفقر ليست مباشرة جدا، ولكن سعر الصرف الصيني الأكثر المرونة قد يفيد آسيا». وأضاف: «قد يحدث ذلك فرقا». اليوم، تتطلب تلك التصريحات أن تقرأ بشعور من المفارقة. باعتباره المسؤول الأول في البنك المركزي الياباني على مدى العامين الماضيين، قام كورودا بإضعاف الين بلا هوادة، مما يعني أنه مسؤول الآن بالضبط عن نفس الديناميكية الإقليمية التي أعرب عن أسفه بصددها ذات مرة. لا شيء من هذا يشير إلى أن كورودا هو المسؤول عن فعل أي شيء شرير. علينا ألا ننسى أن المهمة التي أوكلت إليه هي إنتاج تضخم بنسبة 2% بالنسبة لليابان، وبالتالي سحب اقتصادها البالغ 4.9 تريليون دولار للخروج من عقدين من دوامة الانكماش. ولكن من المستحيل أن ننكر أن سعر الصرف الضعيف للين يصدر بشكل غير مباشر الانكماش في المنطقة. الاقتصاد الذي يعتمد على التصدير في تايوان يشعر بالإجهاد، وسنغافورة قد تكون التالية. لكن كوريا الجنوبية قد تضررت بشكل خاص. انخفض الانتاج الصناعي بنسبة 4.7 في المائة في البلاد في شهر فبراير، وهذا هو أحدث علامة على أن الانكماش هو على عتباتها. ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية في البلاد أيضا بنسبة 0.5% فقط في الشهر الماضي (أبطأ وتيرة منذ عام 1999)، وكانت صادراتها بنسبة 3.4%. استجابت الشركات الكورية لانخفاض الين في القيمة بنسبة 20% من خلال محاولة للحفاظ على أسعار منتجاتها منخفضة. في الممارسة العملية، هذا يعني أن المديرين التنفيذيين مع الفائض النقدي في ميزانياتهم العمومية قد تجنبوا القيام باستثمارات أو إعطاء العمال زيادة في الأجر. لكن قمع الأجور الناتج عن ذلك له نتائج سلبية من تلقاء نفسه، حيث انه يعيق الاستهلاك المحلي. (وما يزيد الطين بلة هو أن الأسر الكورية تجلس على ديون قياسية، تعادل نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي). لنأخذ مثالا على ذلك شركة سامسونج للإلكترونيات، أكبر وأهم تكتل مملوك للأسرة في كوريا، أو chaebol. في الشهر الماضي، قررت تجميد رواتب جميع العاملين في كوريا للمرة الأولى منذ ست سنوات وسط ضعف المبيعات وهبوط الأرباح. الشركة لم تربط تحركها هذا بالين. ولكن بالنسبة للاقتصاديين مثل رونالد مان في HSBC في هونغ كونغ، فإنه يفهم تماما طبيعة الاختلال والمشاكل التي تعاني منها الشركات الكورية في الوقت الراهن. ويفسر مان قائلا: «تخفيف السياسة النقدية في اليابان (أي تخفيض أسعار الفائدة) قد لا يدفع جيرانها إلى الانكماش الفوري فقط حتى الآن، ولكن الضغوط الانكماشية ترتفع بالتأكيد». وأضاف ان «عددا من الشركات، بما في ذلك الشركات العائلية، قررت تجميد الأجور تماما. والمعنى الضمني الرئيسي هو أنه حتى لو سيبقى التضخم عند انخفاض لعدة سنوات، الأجور الحقيقية سوف تواصل الانكماش، وهذا يضر بالاستهلاك لدى القطاع الخاص». آخر شيء يجدر بكوريا أن تفعله هو أن تعول كثيرا على الإعلان الأخير الذي يقول إن نسبة النمو في كوريا الجنوبية، البالغة 2.7%، هي نسبة جيدة. طالما كانت هناك مشاكل في أكبر اقتصادين في آسيا - الصين (التي تعاني في سبيل تحقيق نسبة النمو المستهدفة عند 7%، واليابان (التي شهدت هبوطا في فبراير في معدل الإنتاج الصناعي بنسبة 3.4%) - فإن الوضع الاقتصادي في المنطقة سيكون هشا. ربما تكون مسألة وقت قبل أن يقوم كورودا بتخفيض سعر صرف الين إلى معدل حتى أدنى من قبل. إذا كانت تجربة كورودا تشكل أي درس أو عبرة لكوريا الجنوبية، فهي أن الانكماش هو أكثر مشاكل السياسة عنادا. تحتاج سيؤول إلى أن تفعل كل ما في وسعها لكي تتجنب هذا المصير. وهذا لصالحها، ولصالح المنطقة بأكملها.