انطلقت عاصفة الحزم من منظور شرعي، يقوم على إجارة الجار حين استجار، وإعادة الحق لصاحبه الشرعي، وردع المعتدي الظالم الذي استطالت يده على الآمنين، فروعهم، ونهب بيوتهم، وهدم مساجدهم، وفجر دور القرآن، واعتدى على مؤسسات التعليم الشرعي، وسجن وهدد وأوعد، وانتقل من جبل وكهوف وأودية ومخابئ إلى أن بسط نفوذه على اليمن كله بقوة السلاح والبطش وكيد الخائنين. وكان القرار التاريخي الذي أعاد للعالمين العربي والإسلامي هيبتهما، ودشَّن عصرا جديدا من استقلالية القرار، والدفاع عن الذمار، واستباق الضربات، وإبراز القوة التي قد يستهين بها المغرورون بدخلائهم وعملائهم وجبروتهم على الضعفاء الذين ابتلوا بهم، فكانوا تحت أيديهم يذيقونهم سوء العذاب. وحين تقرر المملكة العربية السعودية فلعله أن يعيد جدولة حساباته، ويراجع ترتيب أولوياته، ويعلم أن وراء الكلمة فعلا، وأن القوة لها عدة لغات، فهي تبدأ بالحوار، وتنتهي بما ليس منه بدّ حين لا يستطيع الطرف الآخر التعامل مع تلك اللغة الإنسانية الرفيعة. وللمواطن أن يتساءل: وأنا! ماذا عليَّ أن أفعل؟ الحقيقة أن الجبهة الداخلية ليست بأقل أهمية من جبهات الحدود، بل ربما كانت أهم، فإن التماسك بين مفردات الوطن ومكوناته تعدُّ القوة الحقيقية التي تتكئ عليها القوات التي تجابه العدو جوا وبرا وبحرا، بعد التوكل على الله تعالى، وهو القوي الناصر جل وعلا. ففي مثل هذه الظروف يجب أن تتوحد كلمة الوطن على قرار واحد اتخذه قائدها، ولا مكان لرأي آخر، كان يمكن الاستماع إليه قبل الحسم والحزم الذي وسمت به هذه العاصفة، بل أكثر من ذلك، علينا جميعا أن نكون عينا للوطن وأذنا، نتحسس مما يدور حولنا، ونرفع للمسؤولين كل ما قد نظنه يخل بأمننا، أو يحاول تفريق صفنا. إن الخطيب على منبره، والمعلم في محراب مدرسته، والأستاذ الجامعي في معمله، والأب في منزله، ورجل الأعمال في شركته، والطالب وهو يتحاور مع زملائه، عليهم جميعا أن يستشعروا ضرورة فهم ما يدور كما هو، لا كما قد يبث لهم على شاشات مغرضة، وعبر رسائل مصنعة في مراكز متخصصة لتفتيت بنية الوطن، لا نشك بأنها قد أقيمت للنيل من هذا الكيان العظيم، ومحاولة خلخلته. لا يحق لأحد يقيم على هذه الأرض، ويستمتع بخيراتها، ويستظل بظلها، أن يتباطأ عن تقديم ما يستطيعه من أجل أمنها وحمايتها وصيانتها، وأقل ما يقدمه هو الكفُّ عن نشر أي خبر عبر أي ناقل إعلامي يمكن أن يكون فيه مساس بسيادتها، أو تعريض بأسرارها، ولا سيما ما قد يلتقطه بعدسة أو بتسجيل أو نحو ذلك، فتلك الخيانة عينها، حتى وإن كانت بغير قصد، إلا محاولة السبق، أو التباهي بالوصول إلى معلومة لا يعرفها الآخرون. ومما قد يحدث دون إحساس بالمسؤولية، التعاطف مع إنسان مجهول الهوية، يتمسكن؛ ليصل إلى أهداف خفية، من خلال جمع التبرعات باسم الوضع الاقتصادي السيء في اليمن، وربما كان من الحوثيين، فيتحول المواطن والمقيم إلى ممول للعدو شعر أم لم يشعر، باسم الصدقة والإنسانية. في مثل هذه الأيام يكتب صقورنا تاريخا جديدا لوطنهم على سماء العزة والمجد، ومن الرائع بالفعل أن نرفعهم أمام أنظار جيلنا الصاعد أعلاما ونماذج عليا، بدلا من ترك شبابنا يتأثرون بتلك النماذج الممسوخة فكرا وضلالا، وهي تحمل الرشاش لتقتل مسلما، وتحرق أسيرا، وتفجر سوقا، وتقلق شعبا، وتعبث بسمعة دين عظيم، جاء لهداية الناس وبث الطُّمأننة في نفوسهم، ونشر السلام في ربوع العالمين. * المشرف العام على مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي