يرصد كتاب «إسلام السوق» جانباً مغيباً من الصحوة الإسلامية المعاصرة غفل عنه الدارسون، في الوقت الذي تتنافس فيه وسائل الإعلام ومراكز الرصد والبحث والمراقبة والكتابة والتأليف في حركات ما يسمى بالإسلام السياسي تنافساً يصل إلى درجة التمييع. الجانب المغيب يشمل ما سماه المؤلف السويسري باتريك هايني عن أشكال التدين الإسلامي الجديدة والخارجة عن مجال الحركات والأحزاب الإسلامية، والرافضة في الوقت نفسه للدخول في قلب الصراع السياسي سواء كان صراعا بين الحركات الإسلامية ذات البعد السياسي والأنظمة الحاكمة، أو بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية. وباتريك هايني يمثل جيلاً جديداً من أجيال الإسلامولوجيين (المهتمين بالظاهرة الإسلامية)، وهو جيل يحرص أشد الحرص على الموضوعية العلمية والدراسة الوصفية والتحليلية البعيدة عن أي توظيف سياسي. وقد قضى وقتاً طويلاً في مصر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي، وله صلات علمية وطيدة مع بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، فعاش حيناً من الدهر في القاهرة دارساً، وتعلم اللغة العربية وتعرف عن كثب على الإسلاميين، وتعرف أيضاً على الإسلاميين الإندونيسيين والأتراك. وانطلاقاً من مصر ومروراً بإندونيسيا وانتهاء بتركيا، يحلل «إسلام السوق» بزوغ شكل جديد من أشكال الكينونة الإسلامية تخرُج من صلب إسلام سياسي ظهر عليه التعب، أو تمرُّ محاذية له، تشترك معه في المنبع لكنها تختلف معه في الهدف والوسيلة وتحديد مجالات العمل. في بداية الكتاب يشخص هايني ازدياد «الإسلاميين الغاضبين» الذين ينتقدون في الآن نفسه الأيدولوجيات الإسلامية ليقينيتها، وبنياتها التنظيمية لجمودها وقسوتها. ومن دون أن يصل هذا الموقف بأصحابه إلى مغادرة الحركات الإسلامية، يفضل هؤلاء البحث عن طرق للخلاص الفردي وتحقيق الذات والنجاح الاقتصادي على حساب الأزمة الثابتة بين الإسلاميين التي تفقد في أعين المنتقدين جاذبيتها رويداً رويداً. ويثير المؤلف الانتباه بعد هذا إلى التنافس بين الدعاة الجدد في استثمار موجة الصحوة الإسلامية الاجتماعية المنفلتة من قبضة التنظيمات الإسلامية المستعصية عليها، وسعيهم نحو إنجاز مصالحة توفيقية بين المد الديني والحداثة الغربية. . تلك هي الصورة الدينية الجديدة التي يلتقطها باتريك هايني مسمياً إياها «إسلام السوق»، وهو اسم اختير للدلالة على العلاقات القائمة بين المؤسسات الاقتصادية والثقافة المقاولاتية الجديدة ذات الأصل الأميركي. ومنذ عشر سنوات، صار امتداد «إسلام السوق» نتيجة واضحة لأربعة سيناريوهات استعرضها الكاتب في فصول أربعة هي مجمل فصول الكتاب.