ليس مجرد رقم جديد يضاف إلى أرقام كثيرة لمراكز شركات عالمية، نجح وادي الظهران للتقنية في اجتذابها على مدار عشر سنوات، وجعلت منه التجمع الأكبر عالمياً من نوعه في النفط والغاز. ربما يكون هذا هو التوصيف الأكثر دقة لتدشين مركز سبكيم للأبحاث وتطوير استخدامات المنتجات في الوادي، الأربعاء الماضي، إذ يسعى المركز إلى تعزيز التنوع الصناعي والتجاري من خلال تطوير الصناعات التحويلية، حيث تتولى «سبكيم» إدارة وتشغيل المركز الذي يحتوي على أكثر من 37 مختبراً وبمساحة إجمالية تقدر بعشرة آلاف متر مربع. فالمركز، الذي يمثل مرجعاً رائداً في مجال التقنية والابتكار والخدمات؛ لدعم الصناعات التحويلية المرتبطة بالبوليمرات، يمثل - في الوقت ذاته – تحولاً نوعياً في حوار العلم والصناعة، الذي يديره وادي الظهران للتقنية منذ عشر سنوات، فبتدشينه، يدشن الوادي مرحلة جديدة يتجاوز فيها الاهتمام بقطاع "المنبع" الذي تمثله صناعات التنقيب والحفر واستخراج النفط والغاز إلى الاهتمام بأعمال (المصب) الذي يمثله مركز سبكيم ويتناول أنشطة البتروكيماويات والصناعات التحويلية. وأكد الرئيس التنفيذي لسبكيم المهندس أحمد بن عبدالعزيز العوهلي في كلمة له خلال الحفل، أن إطلاق مركز سبكيم للأبحاث وتطوير استخدامات المنتجات يشكل "علامة فارقة في مسيرة جهودنا لدعم الصناعات التحويلية للبلاستيك في السعودية نحو تحقيق منافسة عالمية فعالة وتنمية المهارات وتوفير فرص العمل"، مشيراً - في الوقت نفسه - إلى أن شركة سبكيم تسعى من وراء مثل هذا الاستثمار النشط في المواهب والتصنيع إلى تعزيز الاقتصاد المحلي، وجعل المملكة العربية السعودية أكثر قدرة على المنافسة عالمياً من خلال المنتجات والتطبيقات الابتكارية، التي تركز على احتياجات المستهلك العالمي في الغد، حيث استثمرت الشركة أكثر من 300 مليون ريال؛ لإنشاء مركز ذي تصميم حديث؛ لدعم الرؤية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية لتعزيز التنوع الصناعي والتجاري من خلال تطوير الصناعات التحويلية. من جانبه، اعتبر مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور خالد السلطان أن تأسيس المركز جاء "في الوقت الأكثر ملاءمة من حيث الحاجة إلى تطوير الآليات المناسبة للاستفادة المثلى من فرص سوق البتروكيماويات العالمي الواعد إضافة إلى السبل الأفضل لمواجهة التحديات التي تواجه هذه الصناعة، كما أن وجود المركز في وادي الظهران للتقنية سيمنحه البيئة الأمثل لتحقيق الأهداف المرجوة من إنشائه". ولخص الدكتور السلطان نظرة الجامعة إلى المركز باعتباره "يمثل بعداً إستراتيجياً جديداً لصناعة البتروكيمياويات في المملكة العربية السعودية، حيث إن التسارع والنمو الهائل في حجم صناعة البتروكيماويات العالمي والذي تشير التقديرات إلى أنه سيصل إلى ما يقرب من 800 بليون دولار في عام 2018 ميلادي وحجم استهلاك سنوي يقارب 628 مليون طن يمثل فرصا كبيرة لهذه الصناعة الوطنية في المملكة العربية السعودية". ويعزز هذه الفرص -فيما يرى الدكتور السلطان- تنوع سوق الاستهلاك العالمي المتمثل في مجالات: البناء، التعبئة والتغليف، النسيج، المواصلات، البلاستيك، العناية الصحية، إضافة إلى مجالات أخرى، واعتماده المتزايد على صناعة البتروكيماويات مقترنا مع ظروف استثمار وتشغيل مواتية في منطقتنا ومناطق أخرى حول العالم من المتوقع أن يساهم في قيادة الأسواق العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، وذلك حتى العام 2030 ميلادي على أقل تقدير. كما أن النمو المتسارع في الاستكشاف والاستخراج غير التقليدي للغاز ومن ضمن ذلك الغاز الصخري، من المتوقع أن يساهم بشكل أكبر في توفير ميزة توافر المواد الخام الأساسية لصناعة البتروكيماويات. وبالرغم من ذلك فإن التقلب الدائم في أسعار المواد الخام وتزايد المخاوف البيئية المتعلقة بانتاج واستهلاك البتروكيماويات أصبحت تمثل تحديات هائلة لسوق البتروكيماويات العالمي. ورأى الدكتور السلطان في المناسبة فرصة جيدة للتعريف بمنظومة الابتكار والريادة التقنية، التي أسستها الجامعة قبل عشر سنوات؛ لتكون نواة واعدة نحو الاقتصاد المعرفي ولتمثل تطبيقاً لوعيها بأن دور الجامعة يتجاوز توفير الخريجين إلى بناء مجتمع المعرفة. فإذا كانت خطوة تأسيس الجامعة واحة العلوم في وادي الظهران للتقنية تمثل النواة الأساسية التي يتم بناء منظومة الابتكار حولها، فإن الجامعة قامت في نفس الوقت بالعمل على تطوير برنامج لنشر ثقافة الابتكار ويشمل ذلك ربط أنشطة البحوث الأساسية والتطبيقية للجامعة بآليات متقدمة -طورتها الجامعة - لتسجيل براءات الاختراع والملكيات الفكرية، ويمثل ذلك اقتناعاً بأن الاستفادة المثلى من واحة العلوم في وادي الظهران للتقنية لن تتأتى إلا من خلال أنشطة ريادة تقنية، يتم تحفيزها من خلال مخرجات بحثية ذات محتوى ابتكاري وتقني تتطلبه الاحتياجات الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية. وأضاف: عند بداية هذه الخطوات في العام 1427 هجري، لم يكن يوجد في واحة العلوم إلا مركز بحوث وتطوير وحيد، كما كان مجمل ما أصدرته الجامعة أقل من عشر براءات اختراع مسجلة في الولاياتالمتحدة. والآن وبعد أقل من عقد واحد على تأسيسها أصبحت المرحلة الأولى من واحة العلوم تشتمل على التجمع الأكبر من نوعه عالميا – من حيث الوجود في موقع جغرافي واحد - لمراكز البحوث والتطوير لشركات النفط والغاز. وأوضح أن الواحة تضم اليوم مراكز بحوث وتطوير الشركات الأكبر عالميا في خدمات استكشاف واستخراج النفط والغاز ويشمل ذلك: شركات شلمبرجيه، هاليبرتون، بيكر هيوز، ويذرفور. إضافة لذلك فإن مراكز بحوث وتطوير شركات صناعية عملاقة دولية تعمل في مجالات الطاقة والتحكم الصناعي والتجهيزات الصناعية توجد في الواحة، ومنها: شركات جنرال إليكتريك، إيميرسون، هوني ول، يوكوتاوا، روزن وآرجاس وأميانتيت، إضافة إلى شركة سيبكيم التي نلتقي في حفل افتتاح مركزها "للأبحاث وتطوير المنتجات". وبالرغم من أن الهوية المميزة للواحة هي مجال النفط والغاز والبتروكيماويات إلا أن د. السلطان يرى أن التنوع الهائل في تخصص الشركات متعددة الجنسيات التي لديها مراكز بحوث في الواحة يمثل نموذجا يهيئ لنشأة بيئة فريدة للابتكار التقني عموما وفي مجال الطاقة بمعناها الأوسع بشكل خاص. وعلى المستوى الابتكاري، خطت الجامعة خطوات هائلة في السنوات العشر الماضية، حيث تعد اليوم من الجامعات الأولى عالميا من حيث عدد براءات الاختراع والملكيات الفكرية التقنية المسجلة سنويا في مكتب تسجيل براءات الاختراع العالمية. ففي الأعوام 2012، 2013 و2014 ميلادي احتلت الجامعة موقعا ضمن الجامعات العشرين الأولى عالميا من حيث عدد براءات الاختراع. وفي العام 2014 أنتجت الجامعة 98 براءة اختراع، ووصل مجموع براءات الاختراع المسجلة باسم الجامعة إلى 330 براءة اختراع مسجلة في الولاياتالمتحدة وهو ما يزيد على 60% من إجمالي براءات الاختراع المسجلة لجميع جامعات الدول العربية التي تربو على 300 جامعة. الجامعة قامت أيضاً بإضافة ما اعتبره د. السلطان مكونات مهمة من أجل تعزيز وتقوية منظومة الابتكار والريادة، ويشمل ذلك معهدا لريادة الأعمال، وبرنامجا لحاضنات الأعمال التقنية، وتأسيس وإطلاق شركة وادي الظهران للتقنية قبل خمس سنوات؛ من أجل إدارة واحة العلوم بشكل استثماري، إضافة إلى الاستثمار في تتجير التقنية. كما قامت الجامعة بتأسيس مركز للنمذجة الصناعية من أجل توفير البنية التحتية الهندسية والفنية اللازمة لتحويل محتويات اختراع الجامعة إلى فرص استثمارية ونماذج توضيحية لمنتجات تقنية، يمكن تطبيقها صناعيا، وهو ما سيساهم في تقدم أنشطة تطوير التقنية في المملكة العربية السعودية. ومن أجل إكمال دائرة الابتكار والمنتج التقني ذات الأساس المعرفي، وإضافة بعد التطور الاقتصادي إلى منظومة الابتكار والريادة، باشرت الجامعة مؤخرا إطلاق مشروع تأسيس مجمع للأعمال بدعم يخصصه صندوق أوقاف الجامعة. كما انتهت مؤخرا من مشروع مبنى "مجمع الابتكار" في وادي الظهران للتقنية، والذي سيمثل دعما هائلا لأنشطة منظومة الابتكار والريادة.