عندما كنا صغارا لا نعرف من الحياة إلا القليل نعيش في مجتمع متماسك تحكمه عادات وتقاليد، بعضها مستمد من الشرع الإسلامي وبعضها متوارث عبر الأجيال، مجتمع ليله سبات ونهاره معاش، فيه الوفاء والصفاء والتكاتف أقصى طموح أبنائه ورجاله هو الحصول على لقمة العيش ولا مانع من التحصيل العلمي من المسجد أو من المدرسة، من يحفظ شيئا من القرآن يقدم في المجالس ويشار إليه بالبنان وإذا كان يعرف القراءة والكتابة يسند له تعليم الطلاب. إمام المسجد هو القاضي ومأذون الأنكحة والعمدة والمرجع الأول في أي قضية اجتماعية، وفي نظرهم هو يعرف كل شيء أو يجب أن يعرف كل شيء، وقد يمثل الحاكم في كثير من القضايا. من الصعوبات التي تواجه ذلك المجتمع انعدام وسائل التواصل، وقد يأخذ الأمر شهرا ليصل لبعض المدن، يذكر لي من تجاوز عمره الثمانين سنة أنهم يعانون في رمضان خاصة عند دخول الشهر وخروجه. ويضيف: وصلنا خبر وفاة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بعد أيام من وفاته عندها خيم الحزن علينا جميعا، وكنا نعزي بعضنا بوفاة الإمام كما يحلو للبعض تسميته خاصة كبار السن في ذلك الوقت. وصول الكهرباء للمنازل كان حدثا عظيما في حياتنا والبعض اتهمه انه من عمل الشياطين، وهو مجرد لمبة صفراء تُطفأ الساعة الرابعة ليلا بالتوقيت الغروبي أي العاشرة بالتوقيت المعروف حاليا. لا تخلو البيوت من إحدى بهائم الأنعام خاصة الماعز والبقر، إذ يعتبرونها مصدرا من مصادر الرزق والبركة، وأجمل الأوقات وأمتعها عندما يمر متعهد الرعي على البيوت في الصباح الباكر ليأخذ الأغنام للبرية، حيث العشب والكلأ ليعود بها قبل مغيب الشمس في توقيت دقيق جدا، وأذكر أن التكلفة الشهرية لرأس الغنم هي ريال واحد والراعي مؤتمن عليها وعلى صغارها. الزواج وما أدراك ما الزواج، كانت الزوجة في ذلك الوقت لا تملك من أمرها شيئا، وقد يتم ترتيب كل شيء وهي لا تعلم عن زواجها إلا قبل الزواج بليلة أو ليليتن! واقع لا يمكن لها رفضه وعليها بقبول الزوج وهو كذلك. لا تخلو حياتهم من الترفيه بأدواته الطبيعية وبعض الألعاب التي كنا نمارسها، أجد لها تشابها مع الألعاب الرسمية في المسابقات الأولمبية، خاصة ألعاب القوى وبعض الألعاب فيها شيء من الميسر والقمار، واذكر أننا تبايعنا بالمقايضة بين صنفين من الخضار. في الذاكرة الشيء الكثير والكثير من جمال تلك الحقبة من حياتنا، لكنني لا أرغب في الإطالة، ولعل ما ذكرت يعطي تصورا عن حياة الآباء والأجداد التي مهما كان فيها من سلبيات إلا أنها أجمل واصدق من أيامنا هذه رغم توفر كل عناصر الحياة العصرية المادية!! موقف من الزمن الجميل،، شوهد الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - ينظف ويسلك (مرزابا) مجارى الأمطار في مسجده وعندما سئل لماذا؟ قال: غدا سنصلي صلاة الاستسقاء،، أعلى درجات الإيمان وحسن الظن بالله،،