من يتابع تاريخ الكتاب عامة، والعربي خاصة يجد هناك مئات الكتب التي تعد عصارة الفكر العالمي، كتب نعيش فيها وكتب تعيش فينا.. هناك كتب للاستهلاك، وكتب سريعة التبخر، وكتب كضيف عابر وهناك كتب تحفر في جدار العقل، وكتب تزرع نفسها في الوجدان. بعد مقالي السابق تفاجأت بردود فعل جاءتني في حسابي علي تويتر بشأن الكتب الخمسة الماضية متباينة وعنيفة ربما، وغالبها الاختلاف على سبب اختيار الكتب ورصد مدى تأثيرها....، ولم ينتبه الكثير أنني أتحدث عن كتب أثرت في خارطة فكر العالم أجمع، وأثرت كذلك على مسيرة الفكر الإنساني عامة وليس الحديث تسويقها ومقارنته بالكتب الإسلامية أو غيرها، لذا هنا أنقل بعض رأي المؤلف ربورت داونز في كتابه "كتب غيرت العالم"، ولو أنني أرى أن تراثنا الإسلامي والعربي قد أثر في مسيرة العالم الغربي خاصة، لذا حرصت مكتبات العالم الغربي عليها ككتاب فصل المقال لابن رشد، والقانون لابن سينا، وإكمالا للكتب الخمسة الأولى التي بدأتها في مقالي الماضي نجد أن هذه الكتب مراجع في بعض الجامعات العربية كجامعة القاهرة وبيروت والأدرن والمغرب العربي ومنها: 6 _ كتاب "كفاحي" للديكتاتور الألماني أدلولف هتلر ألفه وهو في السجن، ونشر في عام 1926م، وهو عبارة عن خليط مجنون من خططه الطموحة، وسياسته التوسعية ونظراته السياسية فضلا عن سيرته الذاتية، والكتاب عنوانه الأصلي (أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن) إلا أن الناشر اقترح عليه له "كفاحي". 7_ كتاب "ثورة الأمم" لآدم سميث، كتاب حمل نواة الفكر الاقتصادي الرأسمالي العالمي، الذي استطاع تغيير النظريات الاقتصادية التقليدية إلى مفاهيم الاقتصاد الحر، لذا الكتاب يستحيل ألا يتعرف عليه أي مهتم بعلم الاقتصاد لأنه ببساطة (أبو الاقتصاد الحديث) والمعنى الدقيق للاقتصاد الليبرالي المعاصر، لذا يري آدم سميث الأسكتلندي الذي عاش في القرن الثامن عشر ان ثروة الأمم تقاس بقدراتها الإنتاجية في الأساس الأول _ كمقياس للثروة _ على عكس الموارد الطبيعية. 8_ كتاب «رأس المال» لماركس ذلك الكتاب الذي يعد ثورة عقلية واقتصادية واجتماعية، أدت إلى انشقاقات عقائدية وحروب باردة طالت نحو نصف قرن، إذا الخطورة أن مذهب ماركس أصبح مذهبا سياسيا ودينيا سمي بعد ذلك ب«الماركسية»، والتي حرص فيها على الوقوف على العلاقة بين المنازعات الاجتماعية والإنتاج الرأسمالي ورؤيته لمعنى التطور الصناعي للبلدان، إلا ان المفاهيم الدينية التي مررها في كتابه مفادها أن الذي يحكم الفكر الإنساني ويضبطه هو المال والمادة فقط وليس للدين دور في ذلك. 9_ كتاب «تفسير الأحلام» فرويد، ذلك الكتاب الذي يعد تنظيرا علميا في علم النفس، ولما يحويه الكتاب من النظريات النفسية كونه مرجعا للمشتغلين بالطب النفسي تحديدا، والتي حاول من خلالها فرويد الوصول لتفسيرات علمية وقاطعة لماهية الأحلام وكيفية تفسيرها نفسيا. 10 - كتاب «دور الأفلاك السماوية» لكوبرنيكوس، ويعد هذا الكتاب نظرية انقلابية على نظرية الفلك التلقيدية السائدة بأن الأرض هي مركز الكون، وأن الأجرام السماوية بما فيها الشمس هي التي تدور حول الأرض، ويأتي كوبرنيكوس كعقل ليسهم في إطلاق علم الفلك الحديث وإثباته أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية والكواكب هي من تدور حولها، وهو بهذا العقل اصطدم مع العقل الجمعي السائد في أوروبا فضلا عن اتهامه بالكفر والتشكيك في المسيحية. ولعلنا بعد هذه التطوافة على معالم الفكر التي أثرت وما زالت على العالم نتساءل، ما الكتب التي تؤثر في واقعنا المعاصر اليوم؟ وكم نصيب الكتب العربية منها؟ وهل شبابنا ما زال يستهويهم الكتاب والاطلاع كما تستهويهم الكرة أو متابعة جديد عالم السيارات أو الفن؟ ولعل الواقع يكشف أن مستقبل القراءة والكتاب في خطر في ظل التقنيات الحديثة والعولمة والتقنية، والتي جعلت المعرفة كوجبة الماكدونالدز سريعة المنال بلا طعم أو لذة، حتى معارض الكتب أصبحت ميدانا ليكون فيها كوب الذرة الأكثر مبيعا. * الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل