هناك قصة أبتسم كلما تذكرتها.. ففي طفولتي ذهبت مع عائلتي لأداء مناسك الحج، ولتمضية الوقت في الباص أخذت معي مجموعة من الكتب كان من بينها كتاب "كفاحي" للزعيم الألماني أدولف هتلر، وفي حين انشغل الناس بالتلبية والتهليل طوال الطريق انشغلت أنا بقراءة مذكرات رجل نازي تسبب بقتل الملايين. والمضحك أكثر أنني شغلت -بفعلتي هذه- طبيبا هنديا كان يرافقنا أخذ يتأملني طوال الرحلة، ورغم أنه كان زميلا لوالدي إلا أنه كان يراني لأول مرة ويبتسم كلما نظر تجاهي وشاهدني مستغرقا في قراءة كتاب تبدو على غلافه صورة هتلر مع صليبه المعقوف وشنبه المخطوف!! .. و"كفاحي" كتاب يتضمن السيرة الذاتية لهتلر، ويشرح نظريته النازية وتعصبه للقومية الجرمانية، وقد أملاه على نائبه أثناء مكوثه في سجن لاندسبرج قبل وصوله للسلطة وإشعاله نيران الحرب العالمية الثانية، وكان عنوانه الأصلي "أربع سنوات ونصف من الكفاح ضد الأكاذيب والغباء والجبن"، فنصحه ناشر الكتاب باختصاره إلى "كفاحي" فقط! وفي هذا الكتاب وضع هتلر خلاصة أفكاره العنصرية وفرضياته الخرافية حول تفوق العرق الآري (الذي ينحدر منه الألمان وبقية الشعوب الشقراء).. كما حاول تمجيد كفاحه ضد الأيدلوجيات المعادية والانهزامين الألمان وإثبات أن الهزائم والمصائب التي تعرضت لها البلاد تعود إلى مؤامرات حاكتها ضدهم الشعوب الأقل منهم مستوى - اليهود منهم على وجه الخصوص. وفور نشر الكتاب حظي بقبول الشعب الألماني كونه يرفع من معنوياتهم ويؤكد تفوقهم الطبيعي بعد الهزيمة المهينة التي تعرضوا لها بعد الحرب العالمية الأولى، ورغم سمعته السيئة بين الشعوب التي تضررت من الفكر النازي (في بولندا وإسرائيل ودول البلقان) ورغم حظره في العديد من دول العالم (بما فيها ألمانيا التي تمنع طبعه لغير الأغراض التعليمية) ماتزال ولاية بافاريا الألمانية تحتفظ بحقوق نشر الكتاب التي تنتهي في آخر يوم من هذا العام الجديد 2015. المفارقة أن هذا الكتاب (الغارق في العنصرية وتمجيد الشعوب الشقراء) يحظى اليوم بقبول واسع بين الحركات القومية والمتطرفة في دول العالم الثالث - رغم أنه يضع معظم هذه الشعوب في مرتبة أقل رقيا وذكاء وحقا في الحياة. ولكن.. مهما بلغ مستوى اختلافنا معه يبقى "كفاحي" من أهم الكتب التي أثرت على حياة ومصير ملايين البشر في التاريخ الحديث، وهو لا يقل تأثيرا عن كتب سياسية وأيدلوجية امتلكت تأثيرا كبيرا على أمم الأرض مثل كتاب "البيان الشيوعي"، و"رأس المال" لكارل ماركس، و"الكتاب الأحمر" لماوتسي تونج، و"ثروة الأمم" لآدم سميث، وكتاب "الأمير" لميكافيلي.. فجميعها كتب قامت عليها دول، وانبثقت منها سياسات، وتأثرت بها مجتمعات، ونشأت بسببها صراعات مازال بعضها مشتعلا حتى اليوم. ورغم أن الفكر الماركسي الشيوعي عاش طويلا بعد الفكر النازي العنصري (في الصين والاتحاد السوفييتي) كانت النازية أشد تأثيرا وفظاعة كونها تسببت في إشعال الحرب العالمية الثانية، ووفاة أربعين مليون إنسان بشكل مباشر!! .. وإن كان الأمر يهمك؛ قرأت بروتوكولات حكماء صهيون في رحلة العودة.