لمؤلف رواية (عطر امرأة ) التي تحولت إلى فيلم شهير، أدى بطولته آل باتشينو، رواية أخرى بعنوان (أزرق غامق). وقد استعرض فيها جيوفاني أربينو متوالية من الأحداث المتعلقة بمونديال المانيا عام 1974م. وهي ليست محاولته الأولى لتجسيد الحدث الرياضي في عمل أدبي. فقد كتب أيضاً (أطول ضربة جزاء في العالم). كما أنه ليس الوحيد الذي جعل من المدرجات الرياضية وعوالم اللاعبين وكواليس الأندية مادة أدبية. حيث تنكّر الكاتب الأسباني خافيير مارياس في زي مشجع لنادي ريال مدريد. واندس بين الجماهير ليسجل مشاهداته عن قرب، ليكتب روايته (أشرار وعاطفيون). كتعبير عن حبه لما يسميها أجمل رياضة في العالم. هذه العلاقة بين الرياضة والأدب ليست جديدة، فهي قديمة قدم الثقافة. وقد تحدث عن هذه الصلة شكسبير وغونتر غراس وماريو بارغاس يوسا وتيد هيوز وجورج أورويل وامبرتو ايكو وحتى ميكافيلي وغيرهم من الشعراء والروائيين والمفكرين. ومن مدخل كرة القدم تحديداً، باعتبارها اللعبة الشعبية الأوسع انتشاراً. أو ما تسمى باللغة العالمية الثانية، التي يجيدها ويحبها معظم البشر. ولذلك كانت- أي كرة القدم- مادة لكتب تم تأليفها في كل أنحاء العالم. لعل أشهرها ما تمت ترجمته عربياً لإدواردو غوليانو (كرة القدم بين الظل والشمس). إن تأليف الكتب حول الرياضة، وكرة القدم بوجه خاص، يعني أن هذه الممارسة لها من التداعيات الثقافية والاجتماعية والتنموية ما يستحق الالتفات. ويجعل الحقل الرياضي أفقاً واسعاً للإبداع الفني والتأريخ الاجتماعي. وهذا هو ما يفسر وفرة الكتب الأدبية والتوثيقية في الأمم والمجتمعات التي تريد أن يكون تاريخها ورموزها ومؤسساتها الرياضية في عهدة مثقفين على درجة من المسؤولية والحرفية، وليس عُرضة للمتعصبين الذين يزيفون التاريخ ويقتلون جمالية الرياضة بالمزايدات الإعلامية المزيفة وعصبوية جماهير المدرجات. وعلى الرغم من عشق المجتمع في السعودية لكرة القدم. وانتماء المثقفين إلى عوالمها. واهتمامهم الملحوظ بتفاصيلها. إلا أن ذلك الاهتمام لا ينعكس لا في الكتابة الأدبية ولا في الكتابات التأريخية التوثيقية. ما عدا التماعات بسيطة. كالمرور العابر على سيرة لاعب سابق في رواية (ابن طرّاق) لمحمد وبدر السماري. واقتراب عبدالله بن بخيت من دهاليز الأندية الرياضية في روايته (شارع العطايف). كما يُحسب لتركي ناصر السديري بادرته بكتاب (الإسلام والرياضة). والخطوة الاحتفائية لطامي السميري برمز كروي في كتابه (ماجد عبدالله- قراءة وتأمل في أسطورة الكرة السعودية). وكذلك محاولة عبدالواحد الأنصاري تسجيل سيرة الراحل عبدالرحمن بن سعود في رواية (أسبوع الموت).. وهكذا. في الملاعب والمدرجات والأندية السعودية حكايات جديرة بأن تُروى. وهي بحاجة إلى قلم واقعي، لا يترفع على ما يحدث في هذه الفضاءات. ويعي المعنى الإنساني الذي تختزنه تلك الوقائع المتراكمة على مر التاريخ. فقصة تأسيس أي ناد من الأندية هي قصة لا تنفصل عن التاريخ الاجتماعي. ولكل نادٍ رموزه الإدارية والرياضية التي تستحق التخليد من خلال كتب تحكي سيرة الإنسان والمكان. وهو أمر ممكن وضروري لأسباب تتجاوز الرياضي إلى الثقافي والاجتماعي والإنساني. لا يكفي أن يقرر كاتب ما أن يؤلف كتاباً عن فاصل من فصول المجد الرياضي لفريق من الفرق، أو نجومية لاعب من اللاعبين الأفذاذ. بل لا بد أن يكون للأندية الرياضية إسهامها وقناعتها بأهمية الفعل الثقافي المصاحب للرياضة. وعليه، ينبغي على الأندية تشكيل لجان ثقافية مهمتها توثيق مسيرة النادي في كتاب. أو مجموعة من الإصدارات التي يمكن من خلالها التماس مع التاريخ الاجتماعي. وعلى أقل تقدير فتح ارشيفها للمثقفين ليستلهموا ما يمكن سرده. كما ينبغي على الأدباء التفكير بجدية ووعي فيما تختزنه تلك الصور العتيقة والأخبار ومخاضات ولادات الأندية من حكايا جديرة بأن تُروى. * ناقد