أوضحت مقالتي الأخيرة (بعنوان «هل سيهبط النفط إلى مستوى عشرة دولارات للبرميل؟»، المنشور في صحيفة (اليوم) بتاريخ 22 فبراير 2015) اللعبة الخطرة التي يلعبها منتجو النفط الرئيسيون، بما في ذلك المنتجون الأمريكيون، لمعرفة من يمكنه تحمل أسعار النفط المنخفضة لفترة أطول قبل خفض الإنتاج. هذا السعر قد ينخفض لمستوى يصل من 10 دولارات إلى 20 دولاراً للبرميل الواحد، أو حتى أقل. الآن، دعونا نرَ كيف يمكن أن تتأثر الأشياء. لنبدأ بالمستفيدين من المواجهة، وهؤلاء يشملون الولاياتالمتحدة بشكل عام - لا تزال أمريكا تستورد أكثر من ربع احتياجاتها من الطاقة - والمستهلكين الأمريكيين بشكل خاص. إن الهبوط بنسبة 40% في أسعار البنزين عن ذروته الأخيرة التي وصلت إلى 3.70 دولار للجالون الواحد في أبريل من عام 2014 منح السائقين دفعة مقدارها 1.7 بالمائة من القوة الشرائية. حتى الآن، تم ادخار معظم ذلك، على الرغم من أنه من المحتمل أن يقوم المستهلكون بزيادة إنفاقهم إذا بقيت أسعار النفط منخفضة. ربما لا توجد أي صناعة أكثر حساسية لأسعار النفط من شركات الطيران، نظراً لأن الوقود هو تكلفتهم الوحيدة الأكبر. يقول كبار المسؤولين في الخطوط الجوية الأمريكية وشركة يونايتد كونتينينتال وشركة دلتا، إن انخفاض تكاليف الوقود إلى النصف سوف يذهب مباشرة إلى الأرباح، ليستفيد أصحاب الأسهم ولتوفير التمويل اللازم لعمليات إعادة شراء الأسهم. تخطط شركة ساوث ويست لتسريع وتيرة نموها إذا بقيت تكاليف الوقود منخفضة. لقد ارتفعت أسهم شركات النقل الكبرى منذ شهر أكتوبر، ومع ذلك، من المحتمل أن يكون ركاب الخطوط الجوية، وليس حاملو الأسهم، هم الفائزون في النهاية بسبب العلاقة الوثيقة بين أسعار الوقود والأجور. سوف يستفيد كل من اليابان وغيرها من مستوردي الطاقة الآسيويين أيضا من الأسعار المنخفضة، وكذلك سيستفيد المستوردون في أوروبا الغربية بالإضافة إلى تركيا وباكستان ومصر والهند. مع ذلك، يتم تسعير النفط بالدولار، وبالتالي فإن الضعف لمعظم العملات مقابل الدولار الأمريكي يعوِّض بعضا من آثار انخفاض أسعار النفط الخام. أيضا، وسط هبوط أسعار الطاقة، رفعت اليابان الضرائب المفروضة على وقود السيارات بحيث انخفضت أسعار البنزين فقط بحوالي 15% هناك. في الوقت نفسه، استغلت البرازيل أسعار الطاقة المتراجعة كافتتاحية لخفض إعانات الوقود ورفع الضرائب. من جانب آخر، تستورد الصين حوالي 60% من ال 9.6 مليون برميل التي تستخدمها يوميا، لكن هبوط أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى يسبب الضرر لشركات الطاقة في تلك الدولة، وصناعة التعدين فيها ومعالجة المعادن نظرا لتراجع إنفاق رأس المال. من الواضح أن الخاسرين جراء هبوط أسعار النفط هم الشركات الأمريكية المنتجة وشركات خدمات النفط، لا سيما تلك الشركات التي أخذت على عاتقها كميات كبيرة من السندات ذات العائدات المرتفعة خلال فترة الطفرة التي تعرضت لها أسعار النفط. تستأثر شركات الطاقة بما نسبته 17% من السندات الخطرة واجبة السداد، وتقوم الأوراق المالية بإفساح المجال للهبوط الحاصل بينما تنخفض الأسعار وترتفع العائدات وتتوسع الفروق في العوائد مقابل سندات الخزانة الأمريكية. فقط تم إصدار 13.4 مليار دولار من السندات الخطرة في شهر يناير مقارنة مع مبلغ 22.7 مليار دولار العام الماضي. يمثل الإنفاق الرأسمالي المرتبط بالغاز والنفط فقط، ما نسبته 1% من الناتج القومي الإجمالي الأمريكي، لكن هذه الصناعة تقوم منذ الآن بخفض التكاليف. قفز معدل العمالة في قطاع الغاز والنفط الأمريكي بنسبة 29% منذ نهاية فترة الركود الاقتصادي في عام 2009، أكثر من 3 أضعاف الحصيلة الكلية لفرص العمل البالغة 8.6%. إن التراجع في الصناعة سيكون مؤلما. هبطت أسهم شركات الاستكشاف والإنتاج حوالي 40% منذ الصيف الماضي، بينما هبطت أسهم عمالقة الطاقة - شركة رويال داتش شل وإكسون موبيل وشيفرون وبريتيش بتروليوم - بحوالي الربع. تكاليف الإنتاج والتنقيب لديهم منخفضة، تتراوح في نطاق ال 20 إلى 30 دولاراً للبرميل الواحد، ومحركات التوزيع والتكرير لتلك الشركات المتكاملة تستفيد من النفط الخام الرخيص، كما أنها تميل أيضا لامتلاك آفاق زمنية تقدر بحوالي 20 عاما أو أطول للمشاريع الرأسمالية. مع ذلك، تقوم جميعها بخفض الإنفاق للحفاظ على التدفقات النقدية ومدفوعات العوائد، التي تشير إلى أنها تعتقد أن انخفاض أسعار النفط سيدوم لفترة زمنية طويلة. في الفترة الأخيرة، قال الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم، روبرت دادلي: إن إنتاج الولاياتالمتحدة من النفط الصخري وانخفاض أسعار النفط يعتبر تحولاً هيكلياً يضطره إلى «إعادة تعيين قاعدة التكلفة الأساسية للشركة بأكملها». من بين الدول الأكثر تضرراً هنالك تلك البلدان التي تعتمد على النفط في جزء كبير من عائدات الحكومة لديها وتعرضت لمأزق مالي قبل انخفاض الأسعار. أصدرت فنزويلا بالإضافة إلى شركة النفط لديها التي تديرها الدولة المزيد من السندات أكثر من أي دولة نامية أخرى بين عامي 2007 و2011. لقد تم تخفيض المرتبة الائتمانية لفنزويلا إلى أسفل تقييمات السندات الخطرة – حيث حصل على المرتبة CCC من قبل وكالة فيتش للتقييم الائتماني – كما أن عقود التأمين على السندات الحكومية في فنزويلا أشارت مؤخرا إلى احتمال الإعسار بنسبة 61% في العام القادم ونسبة مقدارها 90% خلال السنوات الخمس المقبلة. إن الانخفاض في أسعار النفط يدمر أيضا الدول الإفريقية المصدرة مثل غانا وأنغولا ونيجيريا، حيث يقوم النفط بتمويل 70% من ميزانية الحكومة. الدولة الأخرى التي تعتبر في مأزق هي روسيا، حيث تتعرض لتهديد كل من العقوبات الغربية المفروضة بسبب أوكرانيا وأسعار النفط المتراجعة مع تهديد بإعادة حدوث التراجع الذي أصابها عام 1998. تراجع الروبل بمقدار 43% في عام 2014 والعقوبات تمنع المصارف الروسية من الاقتراض من الخارج من أجل خدمة ديونها الخارجية. قام المصرف المركزي الروسي برفع أسعار الفائدة بنسبة 17% لمحاربة التضخم، الذي تبلغ نسبته الآن 15%، لكن عليه بعد ذلك أن يخفض أسعار الفائدة إلى 15% في محاولة لمنع حدوث ركود عميق. في المحصلة الإجمالية، يفوز مستهلكو الطاقة ويخسر منتجو الطاقة والدول المصدرة. مع ذلك، تبقى هنالك مسألتان هامتان. هل ستصل حالة الانكماش المدفوعة بالطاقة، التي هي الآن موجودة فيما يقرب من نصف البلدان المتقدمة الرئيسية البالغ عددها 34، إلى الأسعار بشكل عام؟ إذا حصل ذلك، فهل سيشجع ذلك المشترين المحتملين على انتظار تلك الأسعار التي لا زالت منخفضة في دوامة تعزيز الذات التي تولد المزيد من الانكماش وتبطئ النمو الاقتصادي؟ ثانياً، هل ستولد التداعيات جراء تقليص المديونية في صناعة الطاقة على مستوى العالم صدمة كبيرة وركوداً عالمياً يعمل على تحويل المناخ الاستثماري من مناخ «الدخول في المخاطر» إلى مناخ «العزوف عن المخاطر»؟ كما هي الحال مع التجاوزات المالية التي انكشفت بسبب الانهيار في قطاع الإسكان، من المحتمل أن هنالك رفعاً مالياً أعلى بكثير بين الشركات المرتبطة بالطاقة والدول من المستوى الموجود الواضح الآن. وكما سبق أن قال وارين بوفيت، أنت لن تعلم من الذي يسبح عارياً إلا حين ينحسر المد ويتراجع الماء.