الجدل الدائر حول مصادرة ومنع الروايات التي تحمل في مضامينها ما يسيء إلى الذوق العام وما يخدش الحياء أو ما يمس الدين او الجنس أو ما يخالف الانظمة الخاصة بالنشر وما يثيره المثقفون من امتعاض عن مثل هذا القرار. وهناك من الأدباء الذين صودرت رواياتهم في مصر منهم (وفيق عبدالرحمن ومحمود حامد وياسر شعبان) وللروائي السوري (حيدر حيدر) عن «وليمة لأعشاب البحر» والدكتور/ غازي القصيبي في (شقة الحرية) والدكتور/ تركي الحمد في ثلاثيته (الازقة المهجورة) ومحمد شكري في (الخبز الحافي) ونجيب محفوظ وحديثه عن الماجنين والمتمردين والصعاليك. والطيب صالح في (موسم الهجرة إلى الشمال). فأقول إن الرواية لا تعبر عن فكرة صاحبها دائما بل فهي خليط من الشخصيات في أمكنة وأزمنة متعددة وتكون واقعية أو خيالية أساسها الواقع وأقول إن الأديب بكينونته البشرية يشبه الوعاء الفخاري ينضح بما فيه وليس قالباً معدنياً وأستشهد على ذلك بالقول إننا أصبحنا نعرف كثيراً عن الرواية بمجرد معرفة كاتبها. أما السؤال أين الخطأ؟ فأقول إننا نحاسبه على النضج الذي قدمه وهو يشف عن قناعاته، أما عن خطئه لأنه استخدم آلية توصيل النص بشكل خاطئ فعبارته المتمردة على الأخلاقيات والموروثات الدينية الراسخة في عقيدتنا وقناعاتنا مهما صيغ لها من مبررات فهي مرفوضة. فهنا يجب التركيز على الأسس المبني عليها الحكم. .رواية محمد شكري (الخبز الحافي) استخدم أسلوبا غير مهذب بعبارات نابية لم تخرج عن الألفاظ البذيئة والعهر المفضوح والشخصيات السيئة ولكنها موجوده وتملأ ارفف المكتبات. .نجيب محفوظ فالمحاكمة لنصه بمدلولاته وليس لشخصه بدليل أن المكتبات تزخر بمؤلفاته وما زال على رأس هرم الأدباء. وهذا يعني أنها في مضمونها جائزة والاتهامات لم تكن ظالمة للنص ولأنهم كانوا صادقين في وصف مجتمعهم ومجسدين واقعيين لما هو قائم فالنقاط التي أثارها المتصدون لهذه الروايات كانت حول الجدلية على النص حيث اننا نمارس عملا لا يغتفر تجاه لغتنا العربية لغة الضاد التي تنزل بها القرآن ونطقت بها أمتنا الإسلامية. فالممارسات اليومية للادب وللإعلام تنبئك بفاجعة لغوية لما هو قائم، فالطريق إلى ذلك يؤكده ثراء لغتنا ومفرداتها ومحسناتها اللفظية وتصنيفها في أبجديات الأدب؛ فإبداعات الكاتب وقدرته على التصوير لا محالة ستضعه تحت مسمى الأدب ويجسده في أحد صنوفه رواية أو قصة أو قصيدة وهذا ما يبرز التمايز بين الأدباء. أما عن القول (ناقل الكفر ليس بكافر) فأستمهل القارئ لحظة لنعود سويا لقراءة موروثنا الديني وثقافتنا الأدبية وسلوكياتنا الاجتماعية من هذا كله نستشف أن هناك عناصر يجب مراعاتها ولا يخفى على أحد أن في لغتنا من المرونة ما يمكننا من تعدد الصياغات وما اعتراها من تصدعات وتشويه سواء بفعل فاعل أو بالبعد المنهجي واعلم علم اليقين أن لكل زاوية فرسانها التي تدافع عنها وفي المحاورات لهذه الزاوية تتعدد مناحيها ولكنني لا أطالب بان يكون الجميع سيبويه ولكن هناك لغة عربية سهلة وصحيحة ومفهومة التداول اللغوي ومؤدبة ولا يكون الانبهار بالآخرين أو باستصغار اللغة الأم. ولتصنيف ذلك المنجز في الإبداع المباح لا بد أن نرى القصة والرواية والشعر التي لا تتحمل تأويلات متعددة فهذا الأمر يتوقف على القدرات التي وظفت في شفافية النص ووضوح الفكرة وقوة العبارة وأتمنى أن تمر الأيام دون أن نسمع برواية تمنع والكل يتمني أيضا أن يأتينا ذلك اليوم الذي لا نرى فيه نصوصا مبتذلة. * باحث وكاتب