بحوالي 50 دولارا للبرميل الواحد، انخفضت أسعار النفط الخام بأكثر من النصف عن مستوى الذروة التي وصلت إليها في شهر يونيو من عام 2014 البالغة 107 دولارات، وقد تهبط لأكثر من ذلك، ربما تصل حتى لمستوى متدنٍ يقترب من 10 دولارات إلى 20 دولارا، وإليكم الأسباب. بلغ النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة 2.3% سنويا منذ بدء الانتعاش في منتصف عام 2009، وهذا يشكل حوالي نصف المعدل الذي قد تتوقعه في انتعاش للخروج من أعمق حالة ركود تصيب الولاياتالمتحدة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. في الوقت نفسه، يتباطأ النمو في الصين، ويصل إلى الحد الأدنى في منطقة اليورو، ويكون سلبيا في اليابان. فإذا أضفنا الزيادة الكبيرة في المسافة التي تقطعها المركبات في أمريكا؛ نتيجة كفاءة المحركات، وغير ذلك من تدابير المحافظة على الطاقة، يتضح لك سبب الضعف الحاصل في الطلب العالمي على النفط الذي قد يتراجع أكثر. في الوقت نفسه، يتصاعد الناتج، والفضل الكبير يعود إلى تزايد إنتاج الولاياتالمتحدة النفطي من التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي. فقد ارتفع الإنتاج الأمريكي بنسبة 15% في الأشهر الاثني عشر من شهر نوفمبر من العام الماضي، استنادا إلى أحدث البيانات، بينما تراجعت الواردات بنسبة 4%. يتضح شيء آخر في هذا المزيج: تراجع القوة الاحتكارية لمنظمة أوبك. مثل جميع التكتلات، يتم تصميم منظمة البلدان المصدرة للبترول لضمان أسعار نفط خام مستقرة وأعلى من السوق. لكن تلك الأسعار المرتفعة تشجع على الغش، لأن بعض البلدان تتجاوز الحصص المقررة لها. لكي يكون الاحتكار مفيدا، ينبغي على زعيمه - في هذه الحالة، الزعيم هو المملكة العربية السعودية - استيعاب الأشخاص الغشاشين عن طريق تخفيض إنتاجه؛ ليحافظ على الأسعار من الهبوط. لكن السعوديين جربوا في الماضي هذا الحل، لكن التخفيضات نتج عنها خسائر لحصصهم في السوق. لذلك شرع السعوديون، مدعومين من قبل سائر منتجي النفط في الخليج العربي ذات الموارد المالية الكبيرة - الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة – بالتعامل بطريقة أخرى مع الغشاشين. في السابع والعشرين من نوفمبر، قالت أوبك إنها لن تخفض الإنتاج، مسببة هبوط أسعار النفط إلى الهاوية. يرى السعوديون أن بإمكانهم الصمود في وجه انخفاض الأسعار لفترة أطول من منافسيهم الأضعف ماليا، الذين عليهم تخفيض الإنتاج أولا في الوقت الذي يصبح فيه الضخ غير اقتصادي. ما هو السعر الذي عنده سيستسلم ويخاف كبار المنتجين ويبدؤون بتخفيض الإنتاج؟ أيا كان هذا السعر، سيكون أدنى بكثير من سعر 125 دولارا للبرميل الذي تحتاجه فنزويلا لدعم اقتصادها ذي الإدارة السيئة. نفس الشيء ينطبق على كل من الإكوادور والجزائر ونيجيريا والعراق وإيران وأنغولا. تحتاج السعودية لسعر يفوق 90 دولارا للبرميل لتمويل ميزانيتها. لكنها تمتلك 726 مليار دولار كاحتياطيات من العملات الأجنبية وتراهن أن بإمكانها النجاة لمدة عامين بسعر أقل من 40 دولارا للبرميل الواحد. علاوة على ذلك، السعر الذي يستسلم عنده المنتجون ليس بالضرورة أن يكون متوسط تكلفة الإنتاج، الذي سيبلغ 50 إلى 69 دولارا للبرميل الواحد بالنسبة إلى 80% من إنتاج النفط الصخري الأمريكي الجديد لهذا العام، وفقا لدانيال ييرجن، من شركة آي إتش إس لاستشارات الطاقة «مؤسسة أبحاث الطاقة في كامبردج». بدلا من ذلك، نقطة الاستسلام هي التكلفة الحدية للإنتاج، أو التكاليف الإضافية بعد أن يتم حفر الآبار ووضع الأنابيب. هنالك طريقة أخرى للتفكير في الأمر: إنه السعر الذي ينخفض عنده التدفق النقدي لتكلفة إنتاج برميل إضافي إلى الصفر. في الشهر الماضي، وجدت وكالة وود ماكينزي، وهي منظمة لأبحاث الطاقة، أنه من بين 2222 حقلا من حقول النفط التي شملها الاستبيان في جميع أنحاء العالم، فقط 1.6 بالمائة منها قد يكون لها تدفق نقدي سلبي عند سعر 40 دولارا للبرميل الواحد. هذا يشير إلى أنه لن يكون هناك الكثير من الاستسلام عند سعر 40 دولارا للبرميل. ضع في الاعتبار أن التكلفة الحدية لكفاءة منتجي النفط الصخري تبلغ حوالي 10 إلى 20 دولارا للبرميل الواحد في حوض بيرميان في تكساس وتبلغ حوالي القيمة نفسها للنفط المنتج في الخليج العربي. خذ بعين الاعتبار أيضا معضلة البلدان المتعثرة ماليا مثل: روسيا، وفنزويلا، والتي تجد أنفسها في المأزق: فهي بحاجة ماسة للإيرادات المتأتية من صادرات النفط من أجل خدمة الديون الخارجية وتمويل الواردات. مع ذلك، كلما كان السعر أقل، احتاجوا لإنتاج وتصدير نفط أكثر؛ لكسب نفس المبلغ من الدولارات، على اعتبار أن الدولار هو العملة المستخدمة لتسعير وتداول النفط. مع الاكتشافات الجديدة والاستقرار في أجزاء من منطقة الشرق الأوسط وكفاءة الحفر المتزايدة، لا شك في أن إنتاج النفط العالمي سيرتفع في السنوات القليلة المقبلة، مضيفا للضغط الحاصل على الأسعار. من المتوقع أن يرتفع إنتاج الولاياتالمتحدة للنفط الخام بحدود 300 ألف برميل يوميا خلال السنة المقبلة من مستوى 9.1 مليون برميل الآن. بالتأكيد، عداد آلات الحفر آخذ في الانخفاض، لكن المتعطل حاليا هو أجهزة الحفر التي تفتقر إلى الكفاءة، وليست أجهزة الحفر الأفقية التي تعد العمود الفقري لصناعة التكسير. خذ بعين الاعتبار أيضا صفقة العراق مؤخرا مع الأكراد، ما يعني أن 550 ألف برميل أخرى ستدخل السوق يوميا. في الوقت الذي تتصاعد فيه الإمدادات، يضعف الطلب. تتنبأ أوبك بحصول طلب على نفطها بمستوى متدنٍ لم يسبق له مثيل منذ 14 عاما يصل إلى 28.2 مليون برميل يوميا في عام 2017، وهذا أقل بحدود 600 ألف برميل من توقعاتها قبل عام وهبوطا عن مستوى الإنتاج الحالي البالغ 30.7 مليون برميل. قامت أيضا بخفض توقعات الطلب لعام 2015 إلى مستوى متدنٍ لم يسبق له مثيل منذ 12 عاما ليصل 29.12 مليون برميل. في الوقت نفسه، خفضت الوكالة الدولية للطاقة توقعاتها للطلب العالمي لعام 2015 للمرة الرابعة في غضون 12 شهرا بمقدار 230 ألف برميل يوميا ليصل إلى 93.3 مليون برميل، وترى أن العرض يتجاوز الطلب هذا العام بمقدار 400 ألف برميل يوميا.