تترقب القطاعات الانتاجية والاستهلاكية للنفط في الاقتصاد العالمي بحرارة شديدة اجتماع منظمة الدول المنتجة للنفط "اوبك" المزمع عقده يوم غد بفيينا على خلفية التصاعد المستمر لسعر البرميل وتخطيه حاجز ال 50 دولارا لبعض الخامات خاصة في الولاياتالمتحدةالامريكية وهو ما ينذر بكارثة كبيرة على الدول المستهلكة بدرجة قد تعرقل خططها التنموية ومعدلات النمو الاقتصادي المفترضة، بينما تعيش الدول المنتجة حالة من التفاؤل المشوب بالحذر من تحقيق وفورات نقدية نتيجة الزيادة في الاسعار التي لم تكن في الحسبان وتوظيفها في مشروعات تنموية جديدة لم تكن مدرجة في الخطط الاقتصادية لهذه الدول المنتجة. ومع التصاعد المستمر لاسعار النفط يرجح كثير من خبراء النفط في القاهرة الأسباب الى ظروف سياسية في المقام الاول بدرجة تفوق الظروف الاقتصادية المرتبطة بالعرض والطلب، ومن بين هذه الاسباب السياسية تفاقم الوضع الامني في العراق وتزايد عمليات تفجير خطوط رئيسية لنقل النفط العراقي للخارج، بالإضافة لاشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي امور تهز الاستقرار العام في منطقة الشرق الاوسط التي تحتل نصيب الاسد في انتاج النفط للسوق العالمية.. وفيما يتعلق بالأسباب الاقتصادية فمن بينها التزايد المستمر في الطلب على منتجات النفط في الدول الصناعية خاصة الولاياتالمتحدةوالصين والهند وعدم دقة البيانات التي يتم من خلالها استقراء منحنيات العرض والطلب بدرجة تبعث الثقة والتفاؤل بين المنتجين والمستهلكين، بالإضافة الى تداعيات ازمة شركة يوكوس الروسية التي توقفت بعد اشهار افلاسها حيث كانت تنتج حوالي 20 بالمائة من النفط الروسي بحوالي 7.1 مليون برميل يومياً، ورفض بعض الدول الصناعية اللجوء الى ضخ جزء من احتياطاتها الاستراتيجية من النفط لتلبية جزء من الاحتياجات المحلية. وتتركز الآمال الدولية على اجتماع أوبك منتظرة بذلك إقرار رفع سقوف الإنتاج و ضخ كميات اضافية من النفط الى السوق العالمية من اجل تقليص الفجوة بين العرض والطلب وتدني الاسعار على خلفية تأكيد رئيس منظمة اوبك يورنومو يوسجيا نتورو الأخيرة المتعلقة بإمكانية قيام المنظمة بانتاج مليوني برميل نفط اضافية يومياً للمساهمة في خفض الاسعار وربما زيادتها الى 3 ملايين بنهاية العام الجاري لكن هناك دول في المنظمة ترفض زيادة الانتاج بعد الزيادة التي كان قدرها 1.5 مليون برميل يومياً في اجتماعات المنظمة ببيروت في يوليو الماضي خاصة وان اوبك وصلت الى اعلى سقف انتاج رسمي هو 25.5 مليون برميل يومياً، لكن دول اخرى في المنظمة لا تمانع من زيادة انتاجها مع تلميحها على لسان وزراء النفط بها ان زيادة الإنتاج ليس ضمانة كافية لاستقرار الأسعار، حيث أشار وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي الى إمكانية المملكة زيادة انتاجها النفطي الى 10.5 مليون برميل يومياً اذا اقتضت الضرورة لكن ذلك لا يضمن خفض الأسعار مع ملاحظة ان المملكة تنتج حالياً 9.1 مليون برميل يومياً. وتتوقع مصادر نفطية بالقاهرة ان توافق اوبك في اجتماعها على حل وسط يرضي المنتجين والمستهلكين بدرجة خاصة خلال زيادة سقف الانتاج بواقع 500 الف برميل يومياً لكن وحسب الخبراء فان تجاوز الحصص القانونية لاوبك لن يضمن ايضاً هبوط الاسعار الى معدلاتها الطبيعية لعدة اسباب منها: 1- ان رفع سقف الانتاج لن يؤدي الى زيادة حقيقية بسبب تجاوز دول اوبك لانتاجها في الشهور الماضية، وبمعنى اخر، فان قرار زيادة الانتاج يجعل تجاوز الحصص قانونياً بدون ان يضيف كثيراً لكمية النفط التي ستتواجد في الاسواق. 2- الطاقة الانتاجية الاضافية المتوافرة لدى اوبك الان محدودة جداً ولن تمكن اوبك من مقابلة الطلب العالمي على النفط خلال شهور الصيف وقد تواجه اوبك في هذا الصيف ما واجهته في صيف عام 2000 حين قامت بزيادة الانتاج 4 مرات ولما قامت بزيادة الانتاج في المرة الرابعة في شهر اكتوبر وصل انتاجها الى 30.335 برميل يومياً (بما في ذلك المكثفات) ولم يعد لديها اي طاقة انتاجية اضافية الامر الذي اجبر حكومة الرئيس الامريكي انذاك بيل كلينتون على سحب 30 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي في شهر سبتمبر لتفادي اي نقص في الامدادات. يذكر ان الطاقة الانتاجية لاوبك زادت بحدود نصف مليون برميل منذ عام 2000 ولكن انخفاض صادرات اندونيسيا لن يمكن اوبك من زيادة انتاجهتا فوق 30.6 مليون برميل يومياً، وبما ان الانتاج الحالي يقدر ب 29.7 مليون برميل، فانه لا يمكن لاوبك ان تزيد الانتاج فعلياً بأكثر من مليون برميل يومياً، يذكر ان وكالة الطاقة الدولية اشارت في تقاريرها الاخيرة الى ان الطاقة الانتاجية الاضافية لدى اوبك لا تتجاوز 1.4 مليون برميل يومياً، وهي الزيادة في الانتاج التي يمكن ان تتم خلال شهر وان تستمر ثلاثة شهور على الاقل. 3-قد يؤدي قانون امن الموانئ والسفن الذي اصدرته الاممالمتحدة الى تعطيل اي اثر لزيادة الانتاج على اسعار النفط، ويقتضي هذا القانون قيام الموانئ والسفن بتغييرات هامة لمكافحة الارهاب ومنع الهجمات الارهابية على السفن والموانئ، وبمقتضى هذا القانون فانه لن يسمح لاي ناقلة نفط أن تحصل على شهادة امنية من تفريغ حمولتها، ولن يسمح لاي ناقلة نفط حتى لو كان لديها شهادة امنية من تفريغ حمولتها اذا اتت بها من ميناء غير مرخص "امنياً" او توقفت في ميناء غير مرخص امنيا. ان منع بعض ناقلات النفط من تفريغ حمولاتها او تأخير عملية التفريغ سيؤدي الى نقص الامدادات النفطية في بعض المناطق وسيؤدي الى رفع اسعار النفط فيها رغم قيام اوبك بزيادة الانتاج. وتشير بيانات الى انه حتى قبل شهر واحد على تطبيق القانون، قامت 23% فقط من الموانئ العالمية بتقديم خططها الأمنية للموافقة عليها، ولم تتم الموافقة الا على 3.5% فقط بسبب عدم ارتقاء مستوى الخطط الامنية المقدمة للمستويات التي حددتها الاممالمتحدة، وهناك مشكلة اخرى تتعلق بهذه النسبة الضئيلة وهي انها مركزة في بعض الدول مثل الولاياتالمتحدة وسنغافورة، الامر الذي يزيد من احتمال انخفاض امدادات النفط والبنزين المتوافرة في الاسواق العالمية. 4- ان جزءاً من ارتفاع اسعار النفط في الشهورالاخيرة يعود الى ارتفاع تكاليف الشحن من جهة، وارتفاع رسوم التأمين على الشحن خاصة على السفن القادمة من الخليج من جهة اخرى، ان قيام اوبك بزيادة الانتاج لن يؤدي بأي شكل من الاشكال الى تخفيض هذه التكاليف. 5- ان استمرار اعمال العنف في عدة دول شرق اوسطية ونيجيريا سيلقي بظله على اسعار النفط وسيمنعها من الهبوط الى المستويات التي ترغبها دول اوبك والدول المستهلكة. كما ان هناك العديد من العوامل التي ستجعل اثر زيادة اوبك للانتاج على اسعار النفط ضعيفاً للغاية لذلك فانه لا يتوقع ان تنخفض اسعار النفط خلال شهور الصيف بشكل ملحوظ لان قدرة اوبك على التحكم في اسعار النفط محدودة، خاصة عندما تكون طاقتها الانتاجية الاضافية صغيرة. من ناحية اخرى تفاقمت المخاوف في السوق العالمية من اضطراب الامدادات خلال الفترة الاخيرة بعد ان تلاشت الامال في ان يزيد العراق من صادراته بالاضافة الى حالة عدم اليقين الخاصة بنيجيريا والقلق بشأن مستقبل عملاق النفط الروسي "شركة يوكوس" وقلق جديد من ان تصبح انابيب النفط في اماكن مختلفة من العالم هدفاً محتملاً لعمليات تخريبية. وقد زاد من القلق تقرير كشف ان الطلب على النفط سيزيد خلال العام المقبل بحجم اكثر من زيادة المعروض من المنتجين خارج اوبك وذلك بدعم من النمو الاقتصادي في الصين وزيادة ملموسة في استهلاك الطاقة، وتعد الصين ثاني مستورد للنفط بعد الولاياتالمتحدةالامريكية وتوقع مسح نفطي ان يزيد الاعتماد العالمي على نفط اوبك مرة اخرى في العام القادم بسبب تجاوز نمو الطلب الانتاج من خارج اوبك. ووفقاً للمسح الذي شمل 13 محللا سيزيد الطلب على الارجح بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً في العام القادم بينما سيزيد المعروض من خارج اوبك مليون برميل يومياً فقط، وتوقع المسح ان يرتفع الطلب في العام القادم الى نحو 83 مليون برميل يوميل من 81.2 مليون برميل يومياً هذا العام فيما يرتفع المعروض من خارج اوبك الى 50.8 مليون برميل يومياً. والتساؤل الذي بات يفرض نفسه: هل بامكان اوبك في اجتماع فيينا وفي ظل المعطيات الراهنة اعادة الاستقرار لسوق النفط او بمعنى ادق تخفيض السعر الى حدود 22 - 28 دولارا للبرميل وهو السعر الذي تقول عنه انه السعر العادل لبرميل النفط؟!