لست من الحماقة بحيث أدعي الحكمة! لكنني سأستلف الحكمة من أفواه وتجارب الآخرين. والحياة مليئة بالدروس، ونحن منشغلون بالعيش فيها يوماً بيوم، موقفاً بموقف، حكاية بحكاية، لذلك قد لا نملك الوقت لتأمل تجاربنا أو تقييمها أو حتى استخلاص الفائدة منها، قد تجبرنا الظروف أو فداحة الموقف على التوقف لفترة وتأمل الحدث ونحن نحاول أن نجد إجابة لسؤال المليون دولار :«لماذا؟ أو كيف؟» ونحن من خلال هذه التجارب نكتشف أنفسنا شيئا فشيئا، فرحلتنا في الحياة قد تكون رحلة اكتشاف للذات، أو تعرف على نفس هاربة، أو قد نضيعها في محاولة تفسير وتبرير أنفسنا للآخرين. ولعلك قد تفتح كتابا من كتب علم النفس الموجهة للعامة -مثلي ومثلك - باحثاً بنهم عن تفسير لما يدور حولك أو ما يجري داخلك. فأنت تريد أن تجد إجابات لهذه الأسئلة التي تلح عليك، وقد تجد الإجابة أو قد تجد نفسك تسبح في بحر عميق من الأسئلة. وفي النهاية تلتفت وأنت تضرب كفاً بكف قائلا:« هذه هي الحياة، لغز يصعب تفسيره». مشكلتنا أننا نريد أن تكون الحياة التي نعرفها واضحة، كاملة، ونريد أن نرى أنفسنا فيها في إطار ذهبي يلفت الأنظار، نحن نبحث عن الصورة الكاملة، ونحن نريد أن تكون حياتنا أو طريقة عيشتنا مريحة فيها كل ما نريد، وننسى في خضم بحثنا عن الحلم الذي نراه كاملا، أن هذه الحياة مثل لعبة «الجبكسو» أو «قطع التركيب» التي تحتاج أن تركب قطعة مع الأخرى حتى تصل للصورة النهائية، التي قد لا تكون مماثلة للصورة الأصلية التي تراها على العلبة المباعة، لكنها ما صنعته بيدك، ما عملت بجهد كي تجده مجسدا أمامك. وهذا يعني أن حياتك ليست بالضرورة أن تكون نسخة من الصورة التي تظن أنها مثالية، لكنها قد تكون صورة معدلة، أو نسخة محسنة أو حتى شيئاً مختلفاً يناسبك أنت فقط. وبعيدا عن الكلام العام الذي قد يضعنا في متاهة ونحن ليس لدينا الوقت لنعرف من أين دخلنا وكيف سنخرج؟ لنأتي بالأمثلة، أنت مثلا قد تختار أن لا تكمل تعليمك لأنك تريد أن تدخل مجالاً عملياً معيناً تريد أن تبدأ حياتك العملية وتعرف أنك ستنجح بطريقتك الخاصة، قد تنتظر سنين حتى ترى شيئا من هذا النجاح، لكنك في وقت انتظارك هذا أنت تستمتع بالعمل. وأنت ليس بالضرورة أن تكون صورة الحياة المثالية بالنسبة لك مليئة بالماديات من فيلا (آلاف الأمتار) وسيارة (كشخة) وسفريات تدفع أقساطها آخر الشهر ، أنت قد تفضل أن تعيش حياة بسيطة تستمتع فيها بكل ما تملكه بعيدا عن التأثيرات الاجتماعية أو الضغط الاجتماعي، هذا اختيارك وأنت متمتع بهذا الاختيار ولن يهمك رأي الآخرين أو تقييمهم، وأنت قد ترى أن سعادتك تأتي من خلال الآخرين لذلك تجد نفسك في دوامة البحث عن نفسك في عيونهم وأفواههم تريد معرفة ما هي نظرتهم إليك؟ كيف يقيمونك؟ في كل لحظة تلتفت نحوهم باحثاً عن نظرة تشجيع أو كلمة ترفع معنوياتك، وفي خضم كل هذا تضيع نفسك، لكن هذه طريقة حياتك وهذا اختيارك وأنت تتحمل نتيجة هذا الاختيار قد تفيق يوماً وتجد أن أجزاء «اللعبة/ حياتك» مبعثرة هنا وهناك فأنت لم تجمعها بالطريقة الصحيحة، قد تجد الصورة مشوشة، وقد يسعدك العيش في العالم الضبابي لأنك تعودت عليه، وقد يتعبك هذا الاكتشاف خاصة حين يأتي متأخراً بعد فوات الأوان، وبعد أن تكتشف أنك لم تخسر نفسك فقط بل خسرت كثيرين حاولوا بكل الطرق أن يساعدوك على ترتيب أجزاء حياتك المبعثرة. وهنا قد نحيد عن الموضوع وندخل في موضوع آخر مكرر. الخلاصة هي أن حياتك أنت تعيشها وتحاول أن تركب أجزاءها المتفرقة حتى تناسب الصورة التي تريدها، نعم الصورة التي تريدها وليس التي يريدها الآخرون.