ولدي العزيز: أعترف لك أنني أخطأت كثيراً في مشوار حياتي وما زلت أرتكب الأخطاء مع ان التجارب منحتني دروسا كثيرة ولكني لم أحسن الاستفادة من كل تلك الدروس. أهديك يا ولدي في أيام العيد بعضاً مما علمتني الحياة وأنت في مقتبل عمرك حتى تستفيد وتتجنّب ما امكنك الكثير من اخطائي. لا تتأخر في منح أسباب السعادة لمن تهتم لأمرهم. واعلم أن الأيام مواسم فانتهز سماحة النفس إذا هبت رياحها وقدم لمن يراك مصدرا للسعادة ما ينتظره منك او ما تظن انه يحقق له شيئا يفتقده. لا تتردّد واحذر التسويف حين توقن ان وقتك ومالك يمكن ان يدخلا السرور على محروم اتعبته الأمنيات. ما أعجب حال من يمكن أن تسعد كلماته الآخرين فيبخل بها. بادر بالأسف ولا تؤجل الاعتذار او المساندة المعنوية لمن يحتاجها أو ينتظرها منك. فقط تأمل الوجوه والعيون وستجد بين من حولك من ينتظرون منك كلمة اطراء او عبارة تقدير وثناء. جرّب ان تتخلّى عن بعض كبريائك وستجد أثر العطاء المعنوي سريعا وفعالا. حاول أن تحصّن مملكتك الصغيرة في منزلك ومحيطك بالحب والثقة. واعلم ان امتن العلاقات الإنسانية لا تستمر الا بشحنات لا تنقطع من الثقة والتضحية معا. امنح الثقة لمن حولك وعلّمهم فنون مبادلة التضحية والعطاء. واعلم ان الأفعال الرديئة تستهلك طاقة الروح وإذا اهترأت الروح فما قيمة الحياة. اعلم أنّ من أساء إليك سيأتيك يوما نادما فلا تشغل ايامك بالتفكير في الثأر من خصومك. اجتهد في اصلاح نيتك وإياك إياك ان تنزلق في مغريات الانتقام فتضيع ايامك وأنت تحمل أدوات الغدر والتربّص. وتذكّر أن حياتك مشوار قصير وعمرك أجل له كتاب فلا تضيع ثمين العمر وانت تخوض في مستنقع البغض والشحناء. تعوّذ برب الفلق إن فاجأتك نوبة من حسد. واعلم ان الرزق لا يجلبه ذكاء ولا يضاعفه استجداء. اعلم أن واجبك هو السعي في مناكب الأرض وأنت موقن أن الرزق المكتوب لا يملك منعه عنك مخلوق. كم من جامع للمال محروم وكم من فقير الحال أغناه الله بالقناعة والرضى. اعلم أنك لن ترضي الناس كلهم ولكن بيدك ألا تُغضب الناس عامدا. وكلما رأيت عيبا في غيرك انشغل بإصلاحه في نفسك وقدّم لمن يعاني منه نموذجا يحتذى. ولا تتبع عورات الناس ومن أتاك بعيب في غيرك فاطلب منه ان يهدي اليك عيوبك ويدع الخلق للخالق. سامح تصفو نفسك وترتقي روحك وستجد أن أجمل طرق الحياة هو طريق العافين عن الناس. واعلم ان مكارم الاخلاق لا تنقاد لحقود. ما خلق الله الفؤاد الا ليخفق بالحب والعطاء فلا تملأ قلبك بالكراهية فتعطّله عن أروع وظائفه. لم يفت الأوان بعد لتغيّر مسارك في الحياة ونظرتك المتشائمة للوجود والناس. اخلع نظارتك السوداء وتأمل الجمال فيما حولك. تدبر شروق الشمس وهي تسطع بلحن الصباح مبدّدة الظلام الذي تصرّ الاّ ترى غيره. أحسن الظن وابعث روح الفأل في نفسك ومن حولك وسترى ان الجمال هو لغة الكون والحياة. * قال ومضى: نعم.. إن الحياة لغز.. ولكن فقط أمام من لا يستفيد من دروسها.