مع اشتداد البرد وبلوغ موسم الشتاء ذروته تتداعى الخواطر والأفكار لدى المسلم في تأمل الحكم الربانية والمظاهر الكونية خلال موسم الشتاء، وبقدر ما يكون البرد شاقاً على المسلم خلال أدائه الواجبات الشرعية فإن الأجر يزداد والثواب يتضاعف، فإسباغ الوضوء في البرد قبل ذهاب المسلم للصلاة من أجل الأعمال فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره». كما أن برد الشتاء يُذكر المسلم بزمهرير جهنم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم «اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفَسين نفَس في الشتاء ونفَس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير». وفي قول الله تعالى (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا) قال ابن عباس: «الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده». إن تذكر هذه الصور الأخروية يذلل في عين المسلم المشقة أو الصعوبة التي يجدها في الوضوء أو أداء صلاة الفجر، فالمشقة الدنيوية لا تكاد تُذكر مع هذا المصير الأخروي الذي سطره القرآن لمن حاد عن دين الله وسلك سبيل الضلال. إن موسم الشتاء يدفع المسلم الذي أنعم الله عليه بالأمن والمسكن والدفء بأن يشكر نعمة الله عليه قولاً وعملاً، ومن أعظم صور شكر النعمة نُصرة إخواننا السوريين القابعين في الصحاري المكشوفة والمخيمات الحدودية في أجواء ثلجية قارصة حتى مات عدد من أطفالهم جوعاً وبرداً. لقد شبه النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين بالجسد الواحد فكيف يمكن أن يرتاح الجسد وأحد أعضائه ينزف بغزارة. أتدري كيف جارك يا ابن أمي ... يهدهده من الفقر العناء وكيف يداه ترتجفان بؤساً .... وتصدمه المذلة والشقاء يصب الزمهرير عليه ثلجاً ... فتجمد في الشرايين الدماء يجوب الأرض من حي لحي .... ولا أرض تقيه ولا سماء معاذ الله أن ترضى بهذا ... وطفل الجيل يصرعه الشقاء أتلقاني وبي عوز وضيق .... ولا تحنو فمن أين الحياء أخي في الله لا تجرح شعوري ... ألا يكفيك ما جرح الشتاء اللهم كن لأهلنا في الشام وأعنا على نصرتهم يا ذا الجلال والإكرام.