كنت أكتب السطور الأولى من هذه المقالة على جهاز الكمبيوتر عندما أخذت جولة على المواقع الإخبارية، لكي ارتاح من الإجهاد الذي يسببه حشد الأفكار ومحاولة صبها في قالب لغوي، ففاجأني خبر مظلل بالأحمر الفاقع على الشبكات الإخبارية المختلفة لمجزرة مجلة (شارلي ايبدو) الباريسية ومقتل 12 شخصا على يد شخصين ملثمين ومجللين بالسواد. تتبع تلك الحادثة وتوالي المعلومات عنها اجل كتابة المقالة لسبب وجيه، هو أنني كنت سأكتب عن موضوع ذي علاقة بالحادثة ألا وهو الإسلاموفوبيا في أوربا. قبل أيام من المجزرة في مقابلة نشرتها وسائل إعلام أمريكية وألمانية وفرنسية أقر (ميشال ولباك) الروائي الفرنسي الكبير الحائز على جائزة الجونكور، وهي اعلي جائزة للرواية في فرنسا، بأنه لعب على وتر الخوف من الإسلام حين فكر في طرح روايته الأخيرة (خضوع) أو (استسلام)، وهو عنوان مستوحى من لفظة الإسلام والتي تتحدث عن وصول المسلمين إلى حكم فرنسا!. الإسلام الذي يعتبر ثاني ديانة في فرنسا بأتباعه الثلاثة إلى أربعة ملايين لا يمثل سوى 10% من سكان فرنسا، وهذه النسبة لن تزداد حتى في حال تنامي الهجرة ورواية ولباك مجرد سيناريو افتراضي عن أسلمة فرنسا أو ما يسمى الخيال السياسي. لكن الرواية وجدت لها صدى لدى شريحة من المجتمع الفرنسي، تساورها مخاوف كثيرة على المستقبل فنفدت طبعتها الأولى المقدرة ب150 ألف نسخة في غضون أيام. المتتبع لوسائل الإعلام يستطيع أن يلمس إرهاصات الخوف من اسلمة أوروبا في أكثر من بلد، فهناك مظاهرات معادية للمهاجرين في أكثر من بلد أوربي، وأشهرها تلك التي ظهرت في ألمانيا يوم الاثنين الفائت 5 يناير في تحد كبير لتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي اتهمت تلك المظاهرات بأنها مظاهرات عنصرية. تولت مجموعة جديدة تسمي نفسها (مواطنون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) أو (بيجيدا) كما تختصر في مقدمة الأحرف اللاتينية المكونة للحركةPEGIDA ، ولا يخفى على المحلل السياسي الاجتماعي الصفة الأوروبية التي اتخذتها هذه المجموعة بدلاً من حصرها على ألمانيا ربما بسبب الخوف من إلصاقها بالنازية، فتاريخ ألمانيا النازي القريب يجعل "بيجيدا" تنأى بنفسها عن المحلية إلى القارية. خبر آخر يصب في نفس الاتجاه وهذه المرة من العاصمة النمساوية "فيينا" يقول: إن إحدى المدارس ألغت جولة لطلابها إلى إحدى الكنائس التاريخية في النمسا، بحجة وجود طلاب مسلمين بين طلابها، مبررة ذلك بأن الطلاب المسلمين قد "يلحقون الضرر" بمحتويات الكنيسة. الكثير من الأخبار اليومية تصدر عن قلق في الشعوب الأوربية مما يمثله صعود التطرف الإسلامي بين أظهرهم، وعدم مقدرة تلك الجاليات على تبني القيم الأوربية في العيش. حرية الفكر والتعبير والتنوير في الغرب أمر مقدس ليس قبله ولا بعده مقدس، فكل المواضيع هي قابلة للنقد والكاريكاتورية والصحافة هي التجلي اليومي لتلك القيم فالهجوم عليها ذو رمزية هائلة، هو طعنة نجلاء في الوجدان الأوربي. الآن وقد حدثت هذه الهجمة الإرهابية الهائلة ماذا بعد ذلك؟. لا أظن أن أحدا سينتظر التحقيقات فصدى صرخات (الله اكبر) و(انتقمنا للنبي محمد) التي رفعها عالياً هاوٍ بكمرة هاتفه الخلوي، قد سقطت على وجدان ملايين الأوربيين الوجلين من شركائهم في الوطن من حاملي الديانة الإسلامية. * قاص وروائي