الاستفادة من تجارب الناجحين في الحياة تزيد من الرصيد المعرفي والتجريبي لأي شخص، وذكر الله تفوقهم في ذلك (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)، ولكن ماذا أريد منه؟ * أريد من الآخر أن يفصح عن سر نجاحاته المبهرة المتعلقة بالصناعة والاقتصاد، والتي تتجاوز مخرجاته الاكتفاء المحلي إلى الإغراق السلعي للعالم؛ بالأدوات الثقيلة والخفيفة، فخلق لنفسه رقما صعباً لا تصطف بجواره إلا الأصفار، إذ لم أجد كثير فرق بين الصانع الغربي والعربي فكلهم يحمل نفس التكوين الخَلقي والثرواتي! * أريد أن أتعلم من الآخر كيفية اهتمامه برفع ثقافته القانونية لكل المجتمع، والوعي بإيجاد بيئة منظمة تجعل من مخالفة النظام جريمة يعاقبها الضمير أولاً، حتى أن عامتهم يعلمون مواد القانون والإجراءات التي يتبعها قبل الشروع في أي إجراء؛ حينها لا أحتاج أن أعمد لمُحامٍ أبذل له كامل مرتبي الشهري ليرشدني إلى مادة نظامية واضحة؛ لأنني رجل بسيط لا أعلم حتى الساعة أين تتوفر الأنظمة! * أريد أن أتعلم من سويسرا سر عصبيتها للغتها، ولماذا تمنع أفرادها من تحدث اللغات الأجنبية الأخرى إلا بنسبة لا تحسب -وألمانيا كذلك-، رغم أن سويسرا أعرق موقع للصناعة المالية والبنكية في العالم، ومرفأ سياح الكون، كما تعتز بصناعة أفخر شيكولاتة! لأنني أحيانا أستغرب من بني جلدتي -الأقحاح- يعتريهم الحياء وهم يتحدثون بلغتهم، وأغفر لهم ذلك؛ لأنهم يحفظون روايات تشارلز ديكنز وجون فيري وآجاثا كريستي، حيث الكثير لا يعرف تلاوة القرآن إلا في رمضان، فضلا عن أن يدركوا معانيه التي سحرت الناس، وألجم عمالقة الفصاحة ببلاغته وفخامة أسلوبه، ورقّق قسوة الجبال وما زالت بعض القلوب تتماهى بصلابتها. * أريد أن أتعلم من الآخر لماذا يهتمون بالقراءة لحد الجنون، وأن يدلوني على الكاهن -قاتله الله- الذي حبَّب إليهم القراءة، رغم أن العرب يكررون في المحافل «نحن أمة اقرأ» إلا أن (معدل القراءة المتوسطة للفرد العربي يساوي 6 دقائق في السنة، مقارنة بالنسبة للفرد الغربي الذي يقرأ بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة)! فأصبحتُ حائرا في تصديق مَن هي أمة اقرأ في العالم الآن ؟ o أريد أن أتعلم من أمريكا بالذات فن الصناعة الإعلامية المذهلة التي أبهرت العالم كله، فحينما تدعم قضية أحد أصدقائها الغربيين؛ فإنها تحشد كل الحقائق والأكاذيب وتستفزز كل العالم بخيلها ورجِلها لنصرته في كل قنواتها، وأما إذا غضبت عليهم فإنك لن تحس منهم من أحد ولن تسمع لهم رِكزا، تماما كما قال الأول (إذا غضبت عليك بني تميم .. حسبت الناس كلَّهُمُ غِضابا)! وما زالت فلسطين -بقدر الله وخيانة بائعيها- مركزاً للإرهاب، لما تحتويه مصانعها من حجارة بسيطة مفتتة تحملها الأكفُّ الناعمة الصغيرة. * أريد أن أتعلم من الآخر فن تكوين العلاقات بين الأشقاء، فهم يحملون حجما لا بأس به من الفكر الذرائعي الذي يبرر الوسائل في سبيل الغايات، يقول شكيب أرسلان ( إنهم -أي الغرب- لا يرون من المسلمين إلا بذل الأرواح والأموال مجاناً)، وما زال الكثير من الشباب يحمل الغلَّ على بلده الذي آواه، ويتربص الدوائر في رجال الأمن الذين سهروا لحماية أهله وحمايته يوماً ما، ولا يدري أنه جزء من نظرية المؤامرة على مملكتنا الحبيبة وبلدان العالم الإسلامي.