الاستفادة من تجارب الناجحين في الحياة يزيد من الرصيد المعرفي و التجريبي لأي شخص، و الغرب هنا و تمثله أوروبا و أمريكا قدمتا نماذج رائعة لقيادة العالم، و ذكر الله تفوقهم في ذلك : (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)، لذا ماذا أريد منهم؟ – أريد من الغرب أن يفصح لي عن سر نجاحاته المبهرة المتعلقة بالصناعة و الاقتصاد ، والتي تتجاوز مخرجاته الاكتفاء المحلي إلى الإغراق السلعي للعالم؛ بالأدوات الثقيلة و الخفيفة ، فخَلَق لنفسه رقماً صعباً لا تصطف بجواره إلا الأصفار، أصبتُ بالذهول لما علمت أنَّ دخل شركة «إكسون للبترول» الأمريكية يفوق دخل مجموعة الدول العربية المُصدِّرة للبترول مجتمعة!! خاصة أنني لم أجد كثير فرق بين الصانع الغربي و العربي فكلهم يحمل نفس التكوين الخَلقي و الثرواتي! – أريد أن أتعلم من الغرب كيفية اهتمامه برفع ثقافة مجتمعه قانونياً لكل المجتمع، و الوعي بإيجاد بيئة منظمة تجعل من مخالفة النظام جريمة يعاقبها الضمير، حتى أنَّ عامة الغربيين يعلمون مواد القانون و الإجراءات التي يتبعها قبل الشروع فيها؛ المتوفرة كلاصقات أو مواد إعلانية بكل مكان، فالملك هنري في بريطانيا في القرن الثاني عشر طبق القانون على كل المستويات لمعرفته، و درَّب شرائح المجتمع لاحترامه، ولا تزال هيبة القانون إلى هذا اليوم مُلاحظة، حينها لا أحتاج أن أضيق ذرعاً بإجراءٍ يسير بإمكان الجهة أن تثقف مراجعيها به بكل سهولة، أو أن أعمد لمُحامٍ أبذل له كامل مرتبي الشهري ليرشدني إلى مادة نظامية واضحة؛ لأنني رجل بسيط لا أعلم حتى الساعة أين تتوفر الأنظمة! – أريد أن أتعلم من سويسرا سر عصبيتها للغتها، و لماذا تمنع أفرادها من تحدث اللغات الأجنبية الأخرى إلا بنسبة لا تُحسب – و ألمانيا كذلك – ، رغم أنَّ سويسرا أعرق موقع للصناعة المالية والبنكية في العالم، و مرفأ سياح الكون، كما تعتز بصناعة أفخر شوكولاته! لأنني أحيانا أستغرب من أصدقائي العرب – الأقحاح – يعتريهم الحياء وهم يتحدثون بلغتهم أو عنها، وأغفر لهم ذلك؛ لأنهم يحفظون روايات تشارلز ديكنز و جون فيري و آجاثا كريستي ، وهو تطبيق حي لباب « البدل « في العربية ! -أريد أن أتعلم من الغرب لماذا يهتمون بالقراءة لحد الجنون، وأن يدلونني على الكاهن – قاتله الله – الذي حبَّب إليهم القراءة، رغم أنَّ العرب يكررون في المحافل «نحن أمة اقرأ» إلا أنَّ (معدل القراءة المتوسطة للفرد العربي يساوي ست دقائق في السنة، مقارنة بالنسبة للفرد الغربي الذي يقرأ بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة)؛ بالمناسبة فإن إسرائيل – و إن كانت « عَرَبية « بالمجاورة – تَصرِف في استثمار طلابها معرفياً ما يعادل ميزانية خمس دول عربية متوسطة! فأصبحتُ حائراً في تصديق مَن هي أمة اقرأ في العالم الآن؟ – أريد أن أتعلم من الغرب فن الصناعة الإعلامية المذهلة، التي أبهرت العالم كله حتى العرب فإذا كانت أمريكا فقط تنتج ما مقداره 200 ألف ساعة من البرامج سنوياً و نحن نستورد 10% من التوزيع! ، والغرب حينما يدعم قضية أحد أصدقائه لتحقيق مصلحة اقتصادية أو سياسية ؛ فإنه يحشد كل الحقائق و الأكاذيب و يستفزز كل العالم بخيله و رجِله لنصرته في كل قنواته الخاصة والصديقة طبعاً ، و أما إذا غضب عليهم فإنك لن تحس منهم من أحد و لن تسمع لهم رِكزا ، تماما كما قال الأول : (إذا غضبت عليك بنو تميم .. حسبت الناس كلَّهُمُ غِضابا)! لأن إعلامنا العربي في أوج الانشغال بقضايانا المصيرية يهدأ من روعنا ب (هل رأى الحب سكارى مثلنا) لسيدة الشاشة و لكن بنسخة أحدث «برنامج الشاعر الملياردير ، و أكاديمية الرقص ، و قضية حرية الوصول للمرأة!». – أريد أن أتعلم من الغرب فن تكوين العلاقات، فهم يحملون حجماً لا بأس به من الفكر الذرائعي الذي يبرر الوسائل في سبيل الغايات و التي تتفق معها أطراف متعددة ميكافيلية، الأعجب أنه لا تربطهم وشائج دينية أو عِرقية أو تاريخية على الأقل؛ فرغم أنَّ بعض دول الغرب فقيرة تأريخاً، والعرب لديهم وفرة في التاريخ، إلا أن بعضهم أَسَرَتهُم وساوِسُهم التأريخية فتباهوا بها في جنبات شارع وول ستريت و ممشى هوليوود و بوينس آيرس بإيطاليا و ركن الخطباء بحديقة الهايد بارك، و ينقل لنا التاريخ المأمون ملك طليطلة حين استعان بطاغية إسبانيا لزيادة مملكته، حاصره و قال له: يا يحيى وحق الإنجيل كنت أظنك عاقلاً، جئت إليَّ و سلمت مهجتك بلا عهد و لا عقد. لأن العرب يكوِّنون العلاقات رابحين و ينتهون خاسرين ! لا زال عندي تساؤل؛ ماذا أريد من اليابان و الصين و الهند؟ •أستاذ السياسة الشرعية والقضاء