ليس من العدل وصف كل مرتادي تويتر بالمتصفّحين. ومن المبالغة أيضاً وصفهم جميعاً بالقراء. فهذا الحاضن النتّي يجمع هذا وذاك. ووجود كل ذلك الكم ممن باتوا يُعرفون بالمدرعمين، يشي بوجود طابور طويل من فصيلة (مع القوم يا شقرا). إذ لا يتوانى أحدهم في إطلاق سيل من الشتائم والسباب لمجرد أن يلتقط عنوان الهاشتاق أو طرف التغريدة. بدون أن يكلف نفسه متعة الاطلاع على الموضوع ومعرفة حيثياته. وهو سلوك ساط على فضاء تويتر لدرجة أنه صار هو القيمة المهيمنة. هذه التداعيات المرتبكة في التواصل، تستدعي السؤال عن طبيعة التلقي في تويتر. إذ يصعب التسليم بوجود قارئ حقيقي في هذا الفضاء. يشارك في صناعة النص وتمديده وتأويله. خصوصاً في ظل تلك النقولات الهائلة والاقتباسات المُعاد تدويرها بكثافة. التي تسمح للمزايدين بكثرة التغريدات على الدخول في قائمة المغردين الأكثر تأثيراً. وهو الأمر الذي يدفع معظمهم إلى افتعال النقاش وتوزيع الإشادات المجانية. بدون أن يقدموا أي دليل على وعيهم بسيرورة الأحداث وقيمة الشخصيات المتجادلة. التلقي مفهوم مترامي الأبعاد والدلالات في الحقل الثقافي. ويتجاوز حتى مفهوم القارئ. وليس المطلوب بالتأكيد توطين هذا المفهوم بكل حوافه واعتباراته المعروفة في الدرس الأكاديمي داخل تويتر. إنما هناك حد أدنى لفكرة استقبال الآخر ومنتجاته المعرفية والأدبية. وهذه هي الفريضة الغائبة في تويتر. إذ لا ينطلق معظم المغردين في التواصل مع بعضهم البعض من منصة منفتحة على كل الاحتمالات بل من زوايا عصبوية ضيقة في كل الحقول وعلى كافة المستويات. ولعل أخطر أشكال التلقي التويتري هي تلك التي تنبني على نزعة كسر الآخر وإقصائه ليس من فضاء تويتر وحسب، بل من الفضاء الحياتي. وهذا هو ما يفسر طبيعة الحوارات المتشنجة واستدعاء التاريخ والاحتجاج بأدلة لا تمت إلى اللحظة بصلة. وهذا لا يقتصر فقط على المجادلات الدينية فقط بل يشمل السجالات الاجتماعية والرياضية، لدرجة أن مواقع التواصل الاجتماعي، صارت تُسمى بمواقع التكاره الاجتماعي. إنه- أي تويتر- موقع للتفاعل الحيّ، الذي يمجّد اللحظة. ولا يأبه لأي ثقافة تعتمد على التأمُّل والتأني. أو هكذا أراده المغردون. ولذلك لا تجد جدالاً ممتداً بين اثنين أو أكثر إلا إذا كان يعتمد على التحقير والتضئيل والهجاء. لأن طبيعة التلقي التويتري وفق ذلك المفهوم تقتضي وجود كائنات عدوانية، تستطيع تأجيج هذا الفضاء بالخلافات والخصامات، واستقطاب الأنصار والمساندين إلى هذا الجيش أو ذاك. وكم يبدو مبهجاً ولافتاً أحياناً وجود حوار بين ذوات واعية ومنفتحة تجادل موضوعاً معرفياً أو فنياً بمعزل عن المهاترات. حيث يظهر حينها المتلقي المطمور تحت سيل الشتائم ليضفي على الفضاء لغة راقية. ومن واقع ذلك الحوار الاستثنائي يمكن التقاط عنوان كتاب مهم، أو فيلم سينمائي محرض، أو مقطوعة موسيقية مريحة للنفس. فهذا الصنف من المتلقين موجود أيضاً في فضاء تويتر الواسع. إلا أنه لا يستطيع دائماً تأكيد وجوده في ظل التلقي البربري للفن والعلم والمعارف. ومن الطبيعي أن يكون برابرة تويتر هم نجوم هذا الفضاء. وما يستتبع ذلك الشكل من التلقي من قطعان مهووسة بالشهرة والنجومية ودغدغة حواس المغردين بالقضايا اليومية التي يسمونها ساخنة. لدرجة أن شخصيات وقامات ثقافية انساقت وراء ذلك المصنع المنذور لصناعة الأفكار والأشكال الرديئة، والتورط مع هواجس القاع الاجتماعي، تحت عنوان الانسلاخ من أوهام النخبة، فيما هي تنعتق من مكامن التفكير وتراهن على المتلقي التويتري الجاهز. الذي بمقدوره تأسيس ميثاق قراءة وقتي مع الذات النخبوية المرتكسة. لا شيء يحدث بالصدفة في تويتر، فهناك حسابات معدّة أصلاً لتوليد حالة من التلقي الرديء للأفكار والمشاعر. مقابل شخصيات تمتلك من الاستعداد ما يكفي لبيع رأسمالها الرمزي لقاء مبايعة الجماهير الساخطة. فيما يبدو المتلقي المتعافي من الأوهام والرهانات في حالة عطش داخل هذا الفضاء للالتقاء بمن يؤكد له على أن المسافة ما بين المتلقي والمستلقي هي بذات الشساعة ما بين الحي والميت. * ناقد