الوطن - السعودية "الثورة الإلكترونية أزاحت مفهوم النخبة وأصحابه، وجعلت من رجل شارع عادي أكثر قدرة على التعبير والتأثير، فيما بقيت بعض النخب تدور في محيطاتها الذاتية، لقد سقط هؤلاء في اختبار التواصل المباشر، وفقدوا قدرة التحليق عاليا في فضاء تويتر" ربما يكون الموقع الاجتماعي "تويتر" آخر معاول هدم النخبوية التي يتمترس فيها بعض النخبويين، الذين يتعاملون من منطلقات ذاتية بأنا متضخمة تفصلهم عن الآخرين، فقيمة أن تكون من النخبة بحسب السياقات الماضية والتقليدية أن تكون هناك مسافة بين النخبوي والرأي العام، تلك المسافة تحطّمت لدى بعضهم بصورة عملية، وحدث نوع من الكولاج للمسار الفكري الاجتماعي مع تطور العصر والتقنيات الداعمة لمبدأ الاتصال بين المكونات المجتمعية، كما حدث نوع من الاصطفاف والتعادل الإسقاطي للأفكار عبر هذا الموقع، فلماذا تغيرت الخارطة التواصلية والتفاعلية بسبب "تويتر"؟ "تويتر" فضاء استوعب جميع الطبقات الاجتماعية دون تمييز نخبوي، وكلّ يغرّد بحرية مطلقة فيما يشغله من قضايا، بحيث لا يمكن لأحد أن يتعالى أو يسيطر على رأي عام، ويمكن لأي مغرّد أن يطلق تغريدة يكون لها صدى لا يحصل عليه بعض أولئك النخبويين، ذلك هو بالضبط الفخ الذي وقع فيه بعض النخبويين الذين سقطوا في اختبار "تويتر" بسبب خطابهم الذي يقوم على لغة عالية، جعلت تغريداتهم لا تتناسب مع فكر العامة، ولربما اعتقد أنها أعلى من فضاء "تويتر" الذي يتسع للجميع، وفي الواقع فإن هذا الفضاء كان بمثابة معادلة لم ينجحوا في أن يتوازنوا فيها، ولم يعد بإمكانهم أن يتمتعوا بذات الصورة الذهنية الذاتية التي وضعوها لأنفسهم، لأنهم من ناحية أخفقوا في قراءة عقلية الشباب المعاصر وتفهم قضاياهم، ومن ناحية أخرى بدوا أثقل من أن تحملهم أجنحة العصفورة فلم يحلقوا أو تحلّق هي بأفكارهم. إننا في الواقع أمام تغيير مذهل في بنية الرأي العام الجديد أو الحديث، لقد سقط مفهوم النخبة الذي يعبّر عن فئة من الفئات المتميزة في المجتمع من الناحية الفكرية مما يؤهلها للقيام بدور قيادي أو بأدوار المسؤولية في المجتمع، أو تلك المجموعة المثقفة الواعية من أفراد الرأي العام التي تتميز بالاطلاع والخبرات، ذلك أصبح باليا وتقليديا يتواضع باتجاهات عالم الاجتماع الإيطالي فلفريدو باريتو، الذي غرس المفهوم في أحشاء أدبيات علم الاجتماع، وذلك بعد أن أسرف بعض النخبويين في التعالي بالمفهوم واستئثاره لاكتساب ميزة متقدمة على ما عداهم، ولكن مع واقع ما يحدث في "تويتر" هل بقي المفهوم على حاله من الجمود؟ ذلك وضع تغيّر بما يؤكد أنه لا ثابت في الوجود إلا المتغير، فالثورة الإلكترونية أزاحت مفهوم النخبة وأصحابه، وجعلت من رجل شارع عادي أكثر قدرة على التعبير والتأثير، فيما بقيت بعض النخب تدور في محيطاتها الذاتية فقط، لقد سقط هؤلاء في اختبار التواصل المباشر، وفقدوا قدرة التحليق عاليا في فضاء تويتر، لأن الجمهور لم يتقبل طرحهم بشكل كامل، خاصة مع اللغة العالية، كما أسلفت، وفي نفس الوقت لم يواكبوا المتغيرات الاجتماعية التي تفرض عليهم تحديات مجاراتها، مما أدّى لسقوط بعض النجوم النخبوية بتقدير "لا أحد يتابعكم" فيما شباب يحشدون في رصيدهم التويتري مئات الآلاف من المتابعين. النخبوي المعاصر قد يكون أي عضو في "تويتر" يحمل أي حد أدنى من الحضور الجماهيري، لم تعد النخبوية حكرا على مثقف أو مفكر، تلك الفكرة اكتسبت هلامية وشيوعا عاما، يضم كل قادر على التغريد والتعبير الأنيق عما يدور حوله ويهمّه من قضايا واقعية، بما يجعله منطقيا وواقعيا يضيف إلى غيره، لقد سقطت تلك الأبراج التي تخلق المسافات الفاصلة بين النجوم المشهورة، ومع مزيد من التطور التقني والتواصل الأكثر سلاسة وسهولة يتحطّم مزيد من الصور الصانعة للنخبوي والرأي العام، الذي يرتكز إلى نمط ذاتي لمفكر أو مثقف حصد الشهرة من كتاب أو أي صيغة ثقافية، فقد أصبح "تويتر" وما يليه من وسائط التواصل هي المعيار لالتفاف الناس حول الأفكار وليس الأشخاص، إنها فقط بداية النهاية للفكرة النخبوية وصناعة واقع جديد لرأي عام جمعي يقود نفسه تلقائيا، وبدوافع ومحفزات لا صلة لها مطلقا بمفاهيم كلاسيكية صلبة لم تعد واقعية.