أثناء ما كان يعتبر أكبر أزمة نفط عالمية في العام 1973م حدث أمر بسيط لم تتنبه له الوسائل الإعلامية، أو أنها لم تعرف عمق ما كان يجري خلف الجدران في الساحة الإيرانية. ففي تلك الفترة طلب قائد كلية (ماريتايم) الخاصة بالشؤون البحرية، والتابعة لجامعة نيويورك بتقديم طلب لشاه إيران محمد رضا بهلوي، بأن يقوم بتوفير وقود الديزل لسفينة التدريب (إمباير ستيت4) لكيلا يتم إلغاء رحلة السفينة التدريبية لصيف 1974-1975م، والتي مدتها ستة أسابيع. وسبب ذلك هو عدم توفر ما يكفي في ميزانية الكلية والتي يوجد بها نخبة منتقاة من الطلبة الإيرانيين، الذين سيكونون عماد القوة الإيرانية الحديثة في ذلك الوقت. وحسب ما قاله الأدميرال (شيلدون كيني) فإن شاه إيران كان يرمي بذلك لإثبات تأثيره على مجرى الأحداث في الخليج وفي العالم. وبالفعل وافق شاه إيران على توفير وقود الديزل لسفينة الكلية الأمريكية. ولكن ثم ماذا؟. في العام 1976م بدأت أزمة نفطية أخرى. وتم تقديم نفس الطلب لشاه إيران والذي رفضه تماما لتتكشف أمور لم يعرفها الكثير. فقد اتضح للكثير من المحللين في شؤون النفط في ذلك الوقت أن هناك تباينا في وجهات النظر السعودية - الإيرانية حيال رفع أسعار النفط وحصص الإنتاج، في وقت كان شاه إيران قد وقع اتفاقيات عسكرية خاصة بشراء طائرات من نوع (ف-14توم كات) ومشاريع البنية التحتية للمفاعل النووي. ويقال إنه بتاريخ 2 يناير 1977م كانت هناك مكاتبات بين شاه إيران ووزير البلاط الشاهنشاهي (أسد الله علام) بأن إيران مفلسة تماما وهناك أزمة حقيقية وإن استمرت فسيتخلخل المجتمع الإيراني. وعندها سعت إيران جاهدة لإقناع المملكة بتعديل أسعار النفط وحصص الإنتاج. أي بمعنى آخر وهو.. أن إيران اعترفت بصورة مباشرة بأن من يتحكم بزمام المبادرة هو ليست أمريكا المستهلكة للنفط، ولكن في الواقع هو أن المملكة هي من يملك زمام المبادرة. والكل يعرف تأثير النفط على ما يجري بالداخل الإيراني. فانقلاب 1953م أحد أسبابه مطالبات محمد مصدق بتأميم النفط الإيراني. واستمر الأخذ والجذب بين المملكة وإيران؛ لتستمر الأزمة الاقتصادية الإيرانية والتي لم تكن معلنة، والتي بسببها في ذلك الوقت بدأت تتآكل فيها حركة الصناعة الإيرانية، وتخسر اليد العاملة غير المدربة حوالي 50 % من دخلها. فماذا حدث بعد ذلك؟. بدأ التململ يدب في نفس كل مواطن إيراني والذي قام باستغلاله بشكل جيد جميع الفئات المعارضة، سواء حزب تودة الشيوعي أو التيارات الإسلامية التي يقودها الملالي. ومن ثم تحرك الشارع الإيراني. وبقية القصة معروفة حيال ما حدث في إيران لاحقا. وفي الوقت الحالي بدأت أزمة نفط أشد مما قبلها. وقد رأت إيران ما يجري من واقع في الساحة الدولية. فقد بدأ الرئيس الإيراني والذي يعتبر زعيما إصلاحيا وبراجماتيا بالحديث مع التيار الإيراني المتشدد على ضرورة العمل على فك ما عليه إيران من عزلة دولية. وفي الختام، فمن الممكن أن يكون لإيران دور فاعل في الخليج والمنطقة، ومن الممكن ان تكون إيران المستفيد الأكثر لو قامت إيران بالتوقف عن سياسات التدخل في شؤون بعض دول الجوار. فالكل يعرف ما يجري في الداخل الإيراني. فالداخل عندما يغلي فلا يهم ما يجري في الخارج. كاتب ومحلل سياسي