قبل 31 سنة، وتحديداً في 16 كانون الثاني (يناير) 1979، غادر شاه إيران الى المنفى، فاتحاً الطريق أمام ولادة الجمهورية الإسلامية. ترنّح حكم الشاه، بسبب التظاهرات وعمليات القتل والقمع الجماعي، لكن سلسلة من الإضرابات، أغلقت عملياً حقول النفط الايرانية وفرضت نظام الحصص على الغاز، وزادت من احتمالات حدوث نقص في وقود التدفئة، هي التي آذنت بنهاية الشاه. في غضون 5 أيام، من 23 كانون الاول (ديسمبر) 1978، بعد شهرين من الإضرابات وعمليات القتل والترويع في حقول النفط الإيرانية، انخفض الإنتاج من 6.5 مليون برميل يومياً في الشهر ذاته، الى نحو 700 ألف برميل، ما أدى الى وقف الصادرات والاكتفاء بتوفير إمدادات كافية لتغطية الاستهلاك المحلي. في 28 كانون الاول، دخل التقنين حيز التنفيذ في محطات البنزين، وأغلق البنك المركزي أبوابه، وتعهد العاملون في حقول النفط، تأييداً لتكتيكات أقرها الأمام الخميني من منفاه في نوفل لو شاتو بفرنسا، عدم استئناف العمل حتى رحيل الشاه. أصبح توافر النفط والاضراب في الحقول المنتجة له، هو القضية ونهاية اللعبة. في 1 شباط (فبراير)، عاد الخميني منتصراً الى إيران. نعود الى النفط، بوصفه أحد رافعات التاريخ الكبرى في ما يتعلق بإيران. الظروف تغيّرت في شكل كبير منذ عام 1979، لكن النفط يلوح في الأفق مجدداً، ويبدو هذه المرة وكأنه السلاح الأمضى للغرب لردع طهران عن امتلاك أسلحة نووية. كان يُفترض أن تكون الامور الجدية بدأت في الاول من الشهر الجاري، عندما أعلن الاميركيون انتهاء مهلة حُددت لإيران للاستجابة لمشروع تبادل الوقود النووي. لكن اتضح في الأسابيع الأخيرة أن العقوبات على البنزين لن تُفرض، سواء في الأممالمتحدة لأن الصينيين والروس لا يريدونها، أو في تحالف لهذا الغرض يشمل الاتحاد الأوروبي. وثمة تفسير تجاري لذلك: موردو الجهة الثالثة سيستفيدون من القيود المفروضة على الجهات المصدرة لإيران والتي يطاولها الحظر. وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون أعلنت انها تفضّل فرض عقوبات ناجعة «من دون جعل الناس العاديين يعانون». ذلك يعني أن الهدف الرئيسي للغرب كي لا يبدو عديم الرحمة، سيكون المصالح الشخصية والاقتصادية ل «الحرس الثوري». لكن ثمة هنا فيضاً من الاتهامات والتناقضات. صحيفة «لوموند» نقلت عن ديبلوماسيين فرنسيين قولهم، من دون الإشارة إلى كلينتون، ان المخاوف التي أعربت عنها «مبالغ فيها أو لا أساس لها». وأضافت انهم يعتبرون ان «الانهيار بين النظام والشعب يبدو أنه بلغ حداً، بحيث أن الضغط على ايران في ما يتعلق ببرنامجها النووي، لن يكون كافياً ليُحدث انبعاثاً لوحدة وطنية». وترى تيريز ديلبيش وهي مديرة الشؤون الاستراتيجية في «لجنة الطاقة الذرية الفرنسية»، والتي تتحدث علناً منذ عام 2007 عن جدوى فرض عقوبات للحد من واردات ايران من البنزين، ان ثمة افتقاراً عاماً الى التصميم في التعامل مع ايران. وقالت: «الوقت ليس مناسباً لإثارة غضب الصين وروسيا. الوقت ليس مناسباً لإغضاب الشعب الإيراني... هذا يشكل سلسلة من التراجعات. انها فلسفة الامتناع عن التحرك». يمكن تفسير رفض إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمحاولة حشد أصدقائها من أجل فرض عقوبات مرتبطة بالنفط، على أنها دعم ضمني للفكرة المشكوك فيه جداً والمتمثّلة بأن نظاماً جديداً سيلغي التهديد النووي الذي يشكله النظام الإيراني، إذا انتظر الغرب مدة كافية. والمحرج ان الكونغرس الأميركي يتجه نحو سنّ قانون يسمح لأوباما بمعاقبة الشركات الأجنبية التي تزود طهران البنزين. 31 سنة بعد رحيل الشاه، وفيما قد تعجز أي عقوبات عن دفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها بالتحوّل قوة نووية، هل يمكن للحلفاء التأكد من ذلك، من دون اختبار أصعب العقوبات من بين تلك المطروحة نظرياً على الطاولة؟