لن أنسى قصة أحد الأصدقاء الذي دخل مع صاحبه المستشفى لإجراء بعض الفحوصات ، فالممرضة تسأله : هل تشكو من ارتفاع في ضغط الدم ، فرد صديقه قائلا : صديقي هذا متخصص في رفع الضغط . لذا الحديث عن " القاتل الصامت " الذي تعددت أسبابه في عصرنا المائج والهائج بالتوتر على جميع أصعدته، الذي يقيسه الأطباء عادة عن طريق تحديد كمية الدم التي يقوم القلب بضخها وكمية تدفق الدم في الشرايين ، يدور حول نمط وسلوك الواقع والحياة من حولنا التي هي مليئة ربما بالمشاهدات المسموعة والمقروءة التي مازالت تساهم في رفع ضغط الدم للإنسان السوي ، ولو أن مجتمعاتنا العربية تحظى بنشطاء ومؤهلين بشهادات في تخصص رفع ضغط الآخرين ! ولعل من أهم الدراسات ما أظهرته دراسة أمريكية حديثة أن الزواج السعيد مثلا مفيد جدا للحفاظ على مستوى جيد لضغط الدم، وحذرت من أن الزواج المضطرب قد يكون أسوأ بكثير من البقاء عازبا ، والباحثة جولياني هوستلاند بينّت أن نتائج هذه الدراسة جاءت مفاجأة، إذ كانت دراسات لاحقة بينت أن المتزوجين أكثر صحة من العزاب، لكن الواقع ربما يبرهن العكس ، لذا وجد الباحثون في دراسة على 204 أزواج و99 عازبا أن الأزواج الذين يعيشون حياة هانئة، ولديهم القدرة على التكيف مع شركائهم، يتمتعون بضغط دم طبيعي طوال اليوم وفي الليل، في حين أن الأزواج التعساء يعانون ارتفاع ضغط الدم أكثر من العزاب، قد يصل إلى حد الخطورة . كما أظهرت دراسة أخرى أن الشعور بعدم الرضا والراحة في الحياة الزوجية يعود لما يسمى "انعدام التوافق الجنسي" مشكلة السكوت عن علاجها ربما ساهم في زيارة القاتل الصامت لدى أحدهما . والناظر لمجتمعنا يلحظ أن حالات ارتفاع الضغط المبدئي تنتج كذلك من صنّاع الضجيج بكل أشكاله، فالتلوث الصوتي الممارس في حياتنا اليومية وعبر قنواتنا المختلفه له دور مباشر في زيادة ضغط الدم حتى لو تم تجاهل الأصوات المفعمة بالضجيج لمواصلة الحركة أو النوم ، وزيارة واحدة لأي عيادة أو صيدلية يكشف عددا ليس باليسير ممن يدخلهم الضغط في ناديه المشؤوم . ولعل أصدقاءنا الناشطين في مجال رفع الضغط يتمتعون في الغالب بالبرود والسلبية في جانب . وفي المقابل هم من يتفننون في سرقة ووأد الفرحة والابتسامة والسعادة من الآخرين ، والمراقب لصراعاتنا ومنها الإقليمية يجد أن مجالات النشاط في جمعيات رفع الضغط في ظهور مستمر ومتسارع مادام الصراع المادي الهادم للقيم والمصالح العليا في تسارع طردي . فشعوبنا العربية من السهل أن تكون ضحية لاستفزاز الآخرين ، واللعب على وتر ثائرتهم ، إذ الحقيقة أننا في مجتمع يتحكم فيه هؤلاء الناشطون بمشاعرنا وتصرفاتنا ويجدون من خلاله سوقا لسرقة من تبقى من العمر . ولعل أكبر تجمع يضم النشطاء الحقيقيون هو المكان الذي يمارسون فيه البيروقراطية باسم تطبيق النظام مرة ، وباسم المثالية المزيفة مرة أخرى ، أو يمارسون حق السلطة الإدارية على من دونهم بتعسف أو تعنت . لكن المشهد الحالي المطبق عليه ممارسات رفع ضغط الدم اليومي ولا يزال يشهد في سوق الأسهم الذي يكوي نفوس الضحايا المتوهمين أو المترقبين أن يجد مناخه متسعا لتنفس عبق جديد لمن لم يسقطه في حبالها الجديدة والمتلونة بالأمل أو بالوهم ، الذي أصبح الميدان المبغوض عند الزوجة والأولاد كونه القناة المتوحشة التي ترفع ضغطهم بهدوء وباستمرار . وفي المقابل المساهمون في مجالات رفع الضغط لا يزالون في صراع دائم لقتل ما تبقى من إنسانية الإنسان أو كرامته، خاصة والعالم الإسلامي تطحنه الأزمات من هنا وهناك . وأعتقد أن نشطاء رفع ضغط الدم في أوساط مجتمعنا لن يعيدونا للطبيعة أو السكينة ، وسيركزون على إقحامنا في المدنية الصارخة التي نحن من قرابينها . نتمنى أن يكون العام الجديد عام حب وسلام وصحة وراحة وسكينة لشعوب العالم أجمع ، وأن ينشط العلماء والحكماء والمديرون في كل المؤسسات والقطاعات والجامعات ويساهموا في إيجاد طريق في قلوب الناس، وحل لعلاج ضيقهم ومشكلاتهم، وأن ينشروا أندية الحب والصدق حولهم. * الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل