تراه دائم العمل والاتصال، مهموماً بمشروعه الكبير الذي تبناه مع مجموعة من زملائه والعديد من المؤمنين بالمشروع الذي بات اليوم مشروع أمة يهدف إلى الدعوة والتعريف بالإسلام من خلال الطب، إنه الدكتور سعد القرني استشاري الأوعية الدموية. من طاولة صغيرة في موقع الهيئة بالرياض تتخذ القرارات الكبيرة في العمل مع مجموعة من الأطباء ذوي الكفاءة العالية في التخصصات الدقيقة، حيث تتم مناقشة الكيفية التي يمكن أن يسهم بها الأطباء في التخفيف من هموم المرضى حول العالم، هنا اليوم مناقشة جادة في الطريقة المناسبة لعلاج وإنقاذ جرحى اللاجئين السوريين على الحدود التركية أو الأردنية، وإلى الآن فإن الرقم الذي استهدف تجاوز الآلاف، ومع ذلك يواصل الجميع جهدهم ليل نهار للوقوف مع هؤلاء اللاجئين. الطب ليس ممارسة فقط، ولكنه مجال إنساني راق، هكذا يتضح الأمر للذي يمعن النظر في الأعمال التي يقوم به الدكتور سعد القرني ومجموعة الأطباء المجتهدين في إبراز القيم الأخرى للطب، فالجميع هنا يؤمن بأن الطب مجال كبير للدعوة الإسلامية، كما أنه بلسم للإنسانية، قبل أكثر من ثماني سنوات وحينما كان الجوع وسوء التغذية يقتل الأطفال والنساء في النيجر، قرر الدكتور القرني ومجموعة من الأطباء الذهاب إلى هناك للمساعدة بما يمكن، منذ ذاك التاريخ والمجموعة لم ينفك عراها بل ازداد عدد من ينتمون إليها، لقد ظهر على الساحة ما بات يعرف بالهيئة العالمية لأطباء عبر القارات، والتي أصبحت خلال فترة وجيزة احدى الهيئات العاملة تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي. «للإنسانية جمعاء».. أحد شعارات الجمعية التي باتت اليوم تعمل في أكثر من سبع عشرة دولة في إفريقيا وآسيا، ولأن الدين الإسلامي جاء للإنسانية جمعاء فإن أطباء عبر القارات وهي الهيئة التي ولدت بأيدي أطباء مسلمين من دول مختلفة باتت تتمسك بهذا الشعار وتقدم بالتالي خدماتها الطبية لكل الناس دون النظر إلى عرق أو لون أو دين، وقد كانت لهذه الخطوة نتائج رائعة على كل المستويات. في رحلتها الأولى وحينما كان جوعى النيجر يشعرون بتخلي العالم عنهم، كانت المجموعة التي مثلت البذرة المكونة للهيئة يجتهدون وبقوة في تقديم العلاج للأطفال والنساء في القرى البعيدة والفقيرة، وكان هؤلاء الأطباء يعمدون إلى التداخل مع الفقراء الذين يسكنون تلك القرى بل وأكثر من ذلك، يتذكر أحد أفراد الفريق المؤسس كيف أنهم قرروا ذات مساء المبيت في احدى القرى البعيدة الوثنية والتي لم يصل إليها عربي يوما ما، وقد كان لهذه اللفتة الرائعة أثر كبير، اليوم يسكن هذه القرى مسلمون مخلصون لدينهم. وفي مكان آخر، في سيراليون غربي القارة الأفريقية، يتذكر أفراد الفريق الطبي الذي ذهب إلى هناك فرحة رجل ستيني بعملية الفتاق التي أجريت له على أيدي أطباء مسلمين، فقد ظل المسكين يمسك مرضه نحو عشرين عاما رافضا أن يعالجه نصراني، ليس لأنه نصراني بل لأن الأخير يطلب من مرضاه الإشارة بعلامة الصليب قبل البدء في أي عملية جراحية. «باك» وهذا هو الاختصار الانجليزي للهيئة التي تعمل بإستراتيجية إدارية منظمة تعتمد على عدة محاور عملت دعما بشكل مباشر في تحقيق أهدافها ورسالتها، هذه المحاور تتمثل في: المشاركة في مكافحة ومعالجة الأوبئة الواسعة الانتشار بإرسال الطواقم الطبية المتخصصة لمناطق الأوبئة والأمراض الأكثر انتشاراً، وبوضع الخطط الإستراتيجية الطبية البعيدة المدى للوقاية من الأمراض الأكثر انتشاراً، وبالمشاركة العملية في علاج هذه الأمراض في الدول التي تنتشر فيها بتنفيذ العمليات والعلاجات المناسبة. كما تتمثل هذه المحاور بالمشاركة والمساهمة في إغاثة المنكوبين بالمساهمة العملية في علاج ومساعدة المنكوبين والمتضررين في مناطق الزلازل والحروب، والتواصل مع الجهات ذات الصلة في رفع المعاناة. ومن المحاور كذلك السعي نحو خلق الكوادر والمراكز الطبية المتخصصة بتدريب الكوادر الطبية «الأطباء، الممرضين، الفنيين» في التخصصات المختلفة والتي تحتاجها الدول الفقيرة، والعمل على بناء المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، والمستشفيات الميدانية المتنقلة في الدول المحتاجة، والمساهمة في تقديم الحلول والتطبيقات العملية الطبية ورفع المستوى الصحي للمجتمعات الإسلامية. ومنذ انطلاقها فقد زارت فرق «باك» أكثر من 17 دولة في كل من قارتي أفريقيا وآسيا، وحققت المزيد؛ فحتى منتصف العام 2011م، بلغ مجموع حالات المرضى الذين قام أطباء الهيئة بعلاجهم أكثر من «89000» حالة، فيما بلغ مجموع العمليات أكثر من «1500» عملية شملت عمليات القلب، والمخ والأعصاب، والكلى، والأوعية الدموية، والناسور، وغيرها. وعلى مستوى العمل في مجال الإغاثة والكوارث أصبح لأطباء عبر القارات خبرة واسعة في هذا المجال والتي هي أحد أهم محاور عملها، فقبل المشاركة في مساعدة اللاجئين الليبيين والسوريين أسهمت الهيئة طبيا في أحداث الزلازل التي عصفت بمدينتي مظفر آباد وبلاكوت في باكستان، وخلال الأحداث المأساوية التي تسببت بفعل الفيضانات التي ضربت باكستان في شهر يونيو حزيران من العام 2010، قامت الهيئة برحلتين طبيتين إلى مدينتي بيشاور وملطان، وكان للأمير سلطان بن عبدالعزيز «رحمه الله» يد طولى في ذلك، كما كان للشيخ بقشان كذلك ولآخرين كُثر، وفي الصومال حيث مازالت الهيئة تعمل منذ رمضان ما قبل الماضي، تحقق الكثير بمؤازرة وتشجيع كبير من الأمير نايف بن عبدالعزيز «رحمه الله». وبعد أكثر من ثمانية أعوام وعشرات الرحلات الطبية والمساهمات الناجحة، تبقى لدى أطباء عبر القارات المزيد من الطموح، والذي يحمل عنوانا واحدا وهو ترسيخ مفهوم العمل الطبي الدعوي.