منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي غزت كلمة "الإرهاب" ومشتقاتها أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية، وصار مصطلح "الإرهاب" من أكثر الاصطلاحات شيوعا في العالم، ثم تفشت في المجتمعات الدولية كلمات وجمل ومصطلحات ومفاهيم مثل "إرهابي" و "عمليات إرهابية" و "جماعات إرهابية" و "إرهاب الدولة" و"الإرهاب المضاد"، ومنذ حوالي خمسة عشر عاماً أعددت كتاباً عن الإرهاب وجذوره، كان عنوانه "الإرهاب والارهابيون" وصادفت- أثناء الاعداد- صعوبات كبيرة وكثيرة في جمع المعلومات، وذلك بسبب عدم وجود مراجع عربية كثيرة عن الإرهاب آنذاك، واليوم، وبعد أكثر من خمسة عشر عاما من مكافحة الإرهاب، لا غرابة في أن نقول ان العالم لا يزال يعاني- أيما معاناة- حول الاتفاق على تعريف شامل جامع للإرهاب، وهذه الإشكالية المعقدة التي تعد من أكثر القضايا إثارة للجدل– عالمياً– في مكافحة الإرهاب، أعني أن إشكالية تعريفه، كانت وراء عدم السيطرة على الجماعات والاعمال الإرهابية، وقد كرس العلماء في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، كما كرس المفكرون والساسة جهودهم على دراسة ظاهرة الإرهاب أكثر من أي ظاهرة اجتماعية– سياسية أخرى في عصرنا، ولكنهم رغم كل الجهود التي بذلوها لم يتفقوا حول مفهوم محدد للإرهاب؛ لأن قوائم الافراد والجماعات والدول الإرهابية الموجودة لدى الغرب والشرق تختلف عند هؤلاء وهؤلاء، فما هو إرهابي هناك، تحرري ومناضل هنا، والعكس صحيح.. ومقياسنا في هذا الامر "الكيان الإسرائيلي، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، جماعة الاخوان المسلمين، حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، حزب الله اللبناني، كلو كلكس كلان الامريكية، جماعة "ألف" اليابانية، جيش تحرير بلوشستان، الحزب الشيوعي الهندي، جيش الشعب الجديد الفلبيني، وغيرهم، ويستثنى من ذلك تنظيم القاعدة و "داعش" لكون الاجماع الدولي جاء على انهما ارهابيتان!. ضبابية مصطلح الإرهاب جعلته موضعاً للخلاف بين الأمم والشعوب، فكل يغني على ليلاه، ومعظمهم يعرف الإرهاب بمقتضى مصالحه السياسية، حتى ان الاتفاقية الأوربية لقمع ومكافحة الإرهاب لسنة 1977م الموقعة في ستراسبورج لم تضع تعريفاً محدداً للإرهاب، وإنما أوردت الأفعال التي تشكل جرائم إرهابية، وكذلك فعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد أدانت في 29 / 12 / 1985م جميع أشكال الإرهاب، ولكنها أغفلت تعريف الإرهاب. والشريعة الإسلامية الغراء تقف شامخة بوضوح في إدانة الإرهاب والاعمال الإرهابية التي ترتكب ضد الإنسانية سواءً صدرت من الدول أو الجماعات أو الأفراد، وفي قرار لهيئة كبار العلماء بالمملكة جاء تعريف الإرهاب مقتصراً على الاوصاف كما تناقلت ذلك مختلف وسائل الاعلام، وقال القرار ان من بين ذلك "استهداف الموارد العامة، والإفساد، وخطف الطائرات، ونسف المباني"، وموقف المملكة من الإرهاب والعنف والتطرف ينطلق من المادة الأولى من نظام الحكم التي تقرر بأن: "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، وبما أن الإرهاب بجميع اشكاله ضد تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، فبالتالي موقف المملكة منذ تأسيسها إلى اليوم ثابت ضد الإرهاب وفق المادة الأولى من نظام الحكم، ولقد عرف مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب الإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام 1998م في القاهرة كما يلي: "الإرهاب كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو اختلاسها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر"، كما عرفه المجمع الفقهي على أنه: (العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان (دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه)، وهذا يشمل كل فعل من أفعال العنف وصنوف التهديد والتخويف والأذى والقتل بغير حق، والحرابة وإخافة السبل، وقطع الطريق.. ورغم كل ذلك لا يزال مفهوم الإرهاب دولياً معاقا!.