أكثر من 145 قتيلا، منهم 132 طالبا، بالإضافة إلى 182 جريحا، حصيلة حادثة استهداف مدرسة ابناء العسكريين في بيشاور، نتيجة للصراع الدائر بين طالبان باكستان والجيش الباكستاني، والذي مضى عليه اكثر من عشر سنوات كانت حصيلته مقتل ما لا يقل عن 50 الف شخص، وهدفها الرئيس مواجهة الجيش لإقامة الحكومة الاسلامية، ومواجهة قوات حلف الناتو. قوة طالبان باكستان تشكلت هذه الجماعة عام 2002، وذلك عقب التدخل الامريكي في افغانستان عام 2001، حيث حاول الجيش الباكستاني فرض حزام امني حدودي في منطقة القبائل، بهدف اضعاف امكانية نقل المسلحين الى كابل، وفي العام 2007 اعلنت الحركة رسميا عن نفسها، بقيادة حميد الله محسود، ويقدر عدد افراد الحركة 45 الفا من طلاب المدارس الدينية وخريجيها، وفي العام 2009 اضطر التنظيم لتغيير اسمه الى مجلس شورى المجاهدين، بسبب وجود ثلاثة تنظيمات باسم طالبان باكستان، يتزعمها ثلاث قيادات حميد الله محسود، وحافظ غل بهادر، ومولوي نذير، ولكنها وبعد مقتل اسامة بن لادن اصبحت متقاربة من بعضها البعض، لان الاستهداف لم يفرق بينها، حيث تعرضت هذه الجماعات لتحركات الجيش، والمقاتلات الامريكية بدون طيار. يكفر اعضاء هذه الجماعة الدولة الباكستانية والجيش على الخصوص، ويعتبرونها خائنة، بسبب تعاونها في الحرب على الارهاب مع الاستخبارات الامريكية، وتحديدا منذ عام 2001، ومنذ ذلك التاريخ ظلت هذه الحركة مأوى لكل الخارجين عن القانون، والمطلوبين للأجهزة الامنية الباكستانية من الجهاديين الاسلاميين. في وادي سوات الجميل حيث الماء والخضراء والطبيعة والموارد الضخمة والمياه الدائمة تتمركز طالبان باكستان في المناطق القبلية وفي وزيرستان وهي مناطق وعرة وشاقة وفيها غابات من الاشجار، وان اغلب مقاتليها هم مطلوبون او متطرفون تكفيريون، وينضم اليهم مجموعة كبيرة من اعضاء الحركات الجهادية العالمية. دوافع مجزرة بيشاور ولعل السبب الرئيس في قيام طالبان بهذه المجزرة، تأكيدها أنها انتقام من القيادات العسكرية، ردا على الهجمات العسكرية المتعاقبة على معاقلها في وزيرستان الشمالية ووادي سوات، والذي قتل فيها عدد من شيوخ القبائل الباشتونية وبعض من قياداتهم التنظيمية، وبعد تدمير العديد من الدور الدينية ومعسكرات التدريب، ولهذا قال محمد خرساني المتحدث باسم طالبان باكستان (لقد قمنا بهذه العملية، في احدى المدارس العسكرية في بيشاور، وذلك بعد ان اتضح لنا أن ابناء غالبية القيادات العسكرية يدرسون في هذه المدرسة).. ولكن هناك من يرى أن الحرب التي يقودها الجيش بلا هوادة ضد طالبان افغانستان، تتقاطع مع رؤية الاجهزة الامنية والاستخباراتية، حيث تؤكد بعض التحليلات وجود اختلاف بين الاثنين في كيفية التعاون والتعامل مع طالبان، فالجيش له نظرته بضرورة تأمين الحدود الباكستانية، بينما كانت الاستخبارات الباكستانية على اتصال مع طالبان افغانستان فترة الازمة الافغانية السابقة، وبما يخدم المصالح الباكستانية، ولهذا سعت الاستخبارات الباكستانية لعقد اتفاق بين الجيش وطالبان بعدم الاعتداء المتبادل وايجاد لجنة تنسيق امني للبت بالقضايا الخلافية بين الطرفين، الا ان الطائرات الامريكية دون طيار ومنذ عام 2008 كانت تنطلق دون تنسيق مع الطرفين، وهو الامر الذي قوبل باحتجاج رسمي وشعبي. الجيش الباكستاني كانت لديه تحفظات على التعامل مع طالبان او عقد اي صفقة تفاهم معها، معتبرا اياها أنها تعرض امن باكستان للخطر، وانها اي طالبان اصبحت اداة للتدخل الخارجي في شؤون باكستان، وأن عليها ان تسلم اسلحتها والمطلوبين منهم، والاجانب المتواجدين بينهم، وان تقطع صلاتها بعالم الارهاب، في الوقت الذي كان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مقتنعا بضرورة الاخذ بعاملي الحوار والحزم مع طالبان، فمن اراد منهم الحوار والتخلي عن الماضي ينظر في آلية التعامل معه، ومن يرفض الحوار، فان القوة العسكرية هي الحل في التعامل معه، وكان الحديث حول ضرورة حسم العلاقة مع طالبان بسرعة بعد عملية مطار كراتشي التي قتل فيها اكثر من 1200 من جانب طالبان، الامر الذي دفع ببعض مقاتليها الى اللجوء للاراضي الافغانية التي تسيطر عليها طالبان افغانستان، حيث كانت هذه العملية مؤشرا على تراجع قدرة طالبان في الحركة والتأثير في الامن الباكستاني. ولعل ضعف طالبان باكستان اصبح واضحا في الاشهر الاخيرة، وانها بدأت تلجأ الى الاسلوب الاعلامي الصادم، في محاولة منها لابراز قدراتها، غير ان المعلومات تفيد بأن العديد من اللاجئين الاجانب غادر باتجاه سوريا وليبيا ومالي والعراق واليمن، اضافة الى حدة الصراعات الداخلية التي تضرب اركانها بين الفصائل المشكلة لها، فقد قتلت الطائرات الامريكية حكيم الله محسود قائد طالبان في غارة تم تنفيذها عام 2013، وجرى تنصيب الملا فضل الله بديلا له، مما ضاعف من حالة الصراع الداخلية بين قياداتها، مما انعكس سلبا على وحدة الحركة وانسجامها وقرارها. في الاشهر الاخيرة وبعد مقتل محسود، طرحت بعض الفصائل الرئيسة ادخال تغييرات تكتيكية في سياساتها، بأن ترحل القيادات وبعض المقاتلين للاراضي الافغانية وان تعمل بالتنسيق وطالبان افغانستان، وان تبقى الاراضي الباكستانية كمجال حيوي دفاعي وداعم لها، وان يكون ذلك باتفاق مع الجيش الباكستاني، مع الحفاظ على الطابع القبلي والاسلامي لمناطقهم في وزير ستان ووادي سوات، الا ان هذا العرض قوبل بالرفض من قيادات اخرى، مما ساهم في اضعاف التنظيم، واصبحت قراراته غير متوازنة، وبدأت فيه الصراعات القبلية والحزبية واضحة. مؤثرات دولة البغدادي كما ان ظهور البغدادي في العراقوسوريا كان احدى العوامل الضاغطة، حيث قامت بعض المجموعات باتصالات مع داعش وجبهة النصرة في سوريا، وطالبوا بضرورة اعلان طالبان باكستان تأييدها ومبايعتها لتنظيم داعش، وضاعف الامر حدة بعدما بدأ ناشطون لصالح داعش في استقطاب قيادات من اللاجئين الاجانب في افغانستانوباكستان، والحديث عن ان ضرورات الجهاد تستدعي عدم الدخول في حرب مع الجيش الباكستاني، بقدر ما هو مطلوب دعم القوى الاسلامية في باكستان من قبل الاهالي، لحين احداث التغييرات المطلوبة في اشارة لامكانية عودة حكم طالبان الى افغانستان او تجذر تجربة البغدادي. الهجوم ومستقبل طالبان هل ستتأثر طالبان باكستان بعد هذا الهجوم الصاعق؟ كل المؤشرات تؤكد ان هذا الهجوم سيسرع في ضعضعة طالبان، وقد يكون سببا في نهايتها، ونفور بعض من قياداتها، وعقد صفقة مع الدولة، فيما سيتخذها البعض فرصة للجوء الى افغانستان والانضواء تحت حركة طالبان، وهناك من يتوقع هروب العديدين منهم الى داعش وجبهة النصرة، ما لم تطرأ متغيرات استراتيجية في العراقوسوريا تحول دون وصولهم، بينما هناك بعض الاراء تؤكد أن الازمات في الغالب ما تحدث توحدا بين الحركات والفصائل رغم اختلاف وجهات النظر، وان هذه المرحلة قد تشهد تصاعدا في الارهاب، او كمونا لمدة بسيطة لامتصاص غضب الجيش الباكستاني واحتمالات المشاركة الامريكية في قصف طالبان. التخطيط لعملية بيشاور كيفية الدخول الى المدرسة العسكرية؟ كان الدخول مخططا له منذ فترة لا تقل عن الشهرين تقريبا، كانت هناك معلومات تؤكد أن القادة العسكريين المسؤولين عن المواجهة مع طالبان في وزيرستان ووادي سوات يضعون ابناءهم في مدرسة عسكرية في بيشاور، وقد جرى استطلاع الامر بدقة، ومعرفة التوقيت المناسب لدخولها، وقد استغلت طالبان علاقاتها ببعض ابناء القبائل العاملين في المدرسة اضافة الى الحافلات الداخلة والخارجة وتزوير بعض البطاقات، واللباس المدرسي الخاص في المعسكر، وعلى ما يبدو ان لديهم معلومات من الداخل، فقد اختير التوقيت الساعة 10.30، وهو التوقيت الذي يكون فيه الجميع قد انتظم في قاعة الدرس والتدريب، ورغم الحراسات العسكرية، الا أن 6 من منفذي العملية تمكنوا من الدخول فيما كان اطلاق النار قد تم في الداخل والخارج، ما يعني ان قوة اخرى من طالبان كان هدفها اعاقة الحراسات، ومنع اي قوة مضافة، وايجاد غطاء لانسحاب قادة الهجوم حال عدم قتلهم، الا ان القوات العسكرية اغلقت المنطقة كاملة، وبدأت عمليات ملاحقة للمهاجمين، حيث انضم لهم بعض افراد القبائل من داخل المدرسة، وتم اجلاء العديد من الطلاب والمعلمين، الا عددا كبيرا ظل داخلها، وعندما اشتد الحصار نزع احد المهاجمين ما بحوزته من قنابل ليرمي بها في قاعات الدروس وعلى التجمعات ليقتل اكبر عدد ممكن من الطلاب والمعلمين والجنود، فيما كانت العملية الاكبر في احدى القاعات حيث كان عدد من الطلبة يقيمون احتفالا داخليا، وقال الناطق باسم طالبان محمد خرساني، ارسلنا ستة من الاستشهاديين لشن هذا الهجوم، كان من بينهم قناصة وكانت اهدافنا في رد الاعتبار لمن قتل وترهيب افراد عائلاتنا في وزيرستان، ولم يستهدف عناصرنا الطلاب صغار السن بل كبارهم ممن يبدون مقاومة. وكانت طالبان ترغب بتوجيه رسالة للجيش بأنها قادرة على الايذاء حال التعرض لها وان مقتل 1500 من عناصرها يجب ان تقابله طالبان بالمثل، فيما اعتبر الجنرال طلعت مسعود هدف طالبان من وراء هذه العملية، هو اعادة الاعتبار لمكانتها، وايضا اضعاف عزيمة الجيش، الا ان هذه العملية رغم اهميتها الا انه سيكون لها انعكاسات سلبية على طالبان مستقبلا، فقدرات الجيش عالية الجهوزية، واصبح ايضا هناك سبب لعدم التعامل برحمة مع طالبان لدى بعض قيادات الجيش، كان اختيارهم للمدرسة لسبب دعائي يترك اثرا نفسيا كبيرا لدى عوائل العسكريين. ادانة طالبان افغانستان وعلى الرغم من ان المناطق القبلية الباكستانية خاضعة لحكم شبه ذاتي وكانت لسنوات تشكل ملاذا للمتمردين الاسلاميين من مختلف المجموعات بينها تنظيم القاعدة وحركة طالبان وكذلك لمقاتلين اجانب من اوزبكستان ومن الاويغور، وتربطها علاقات استراتيجية مع طالبان افغانستان، بحكم الترابط الجغرافي والقبلي والديني والاجتماعي، الا ان طالبان افغانستان سارعت الى ادانة الهجوم على المدرسة الباكستانية في بيشاور، فقد أكد المتحدث باسم طالبان افغانستان ذبيح الله مجاهد ان القتل العمد لأناس وأطفال ونساء أبرياء يتعارض مع مبادئ الإسلام، ويجب على كل حزب إسلامي وحكومة إسلامية وضع هذا المعيار في الحسبان. تنديد دولي وباكستاني وحصل الهجوم على تنديدات عالمية كبيرة ستكون داعمة للجيش والحكومة الباكستانية للقيام باعمال مضادة لطالبان افغانستان، وستكون بمثابة مؤشر على دعم المجتمع الدولي لاجراءات باكستان الرادعة لهذا التنظيم المتطرف، فقد أكدت الناشطة الباكستانية ملالا يوسف زاي الحاصلة على نوبل للسلام، بأن (قلبها ينفطر بسبب هذا العمل الارهابي الاحمق والذي يحدث امامنا في بيشاور، الاطفال الابرياء ليس لهم ذنب، اني ادين هذا العمل الجبان) وذكر ان ملالا تعرضت هي الاخرى لاطلاق نار في رأسها قبل عامين بسبب حملاتها لتشجيع تعليم الفتيات.