أظهر تقرير لثمانية محللين أن أسعار النفط الخام العالمية ستحوم حول 70 دولاراً للبرميل في عام 2015 وهو ما قد يؤدي إلى خفض إنتاج مشروعات للنفط الصخري في الولاياتالمتحدة، ويطلق عمليات استحواذ على شركات قد تواجه مصاعب في ظل انخفاض الأسعار. وتراجعت أسعار النفط الخام الأمريكي 10% أمس الأول مسجلة أكبر خسارة يومية منذ أكثر من خمسة أعوام ونزل برنت عن 70 دولاراً للبرميل في ظل معنويات مضاربة على الهبوط دفعت السوق لمواصلة الخسائر بعد قرار منظمة أوبك عدم خفض الإنتاج. وقال طارق زاهر المدير لدى تايتش كابيتال أدفايزر في نيويورك: «لا أرى مبرراً لشراء النفط الآن. أعتقد أن الناس سيدفعون السعر لمزيد من الهبوط أو سيتركون السوق ببساطة للانهيار.» وهبط سعر عقد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي الخفيف 7.54 دولار إلى 66.15 دولار للبرميل عند التسوية وواصل الهبوط بعدها ليصل لأدنى مستوى في أربع سنوات 65.69 دولار. وهذه أكبر خسارة يومية بالنسبة المئوية للسوق منذ مارس 2009. وأنهى خام برنت التعاملات منخفضا 2.43 دولار أو 3.3% إلى 70.15 دولار للبرميل. وجاءت أحدث تقييمات للمحللين بعدما اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك يوم الخميس، على إبقاء سقف الإنتاج دون تغيير عند 30 مليون بروميل يوميا برغم انخفاض أسعار الخام. وقال محللون: إن قرار أوبك لم يكن مفاجئاً، وأشاروا إلى أن المنظمة كانت مطمئنة إلى ترك السوق تملي مستويات الانتاج والأسعار. وقال محلل لدى واندرليتش سيكيوريتيز: «ربما حان الوقت لأن نقر بأننا الآن في زمن سعر 70 دولارا للنفط.» وسيشكل انخفاض الأسعار اختبارا للمنتجين الأمريكيين لاسيما في مشروعات النفط الصخري التي ساعدت في رفع الانتاج المحلي. وتوافق المحللون على توقع استمرار نمو الانتاج في الولاياتالمتحدة على الأرجح في النصف الأول من عام 2015 لكن وتيرة النمو ستتباطأ في النصف الثاني من العام تحت وطأة انخفاض أسعار النفط. وكتبت فرست انرجي كابيتال تقول «نعتقد أن تباطؤ الامدادات الأمريكية قد يحتاج إلى 3-9 أشهر بعد تنفيذ تخفيضات في الانفاق حتى يحدث تباطؤ يمكن التحقق منه في نمو الامدادات.» وقال المحللون: إن التخفيضات في الإنتاج نتيجة انخفاض الأسعار ستساعد في نهاية المطاف في تقليص المعروض ورفع الأسعار في عام 2016. وسوف يختبر انخفاض الأسعار صمود الشركات التي تعتمد بكثافة على أسعار أعلى للخام وهو ما يترك بعضها عرضة لعمليات استحواذ. وقال جيسون وانجلر المحلل لدى واندرليتش سيكيوريتيز :»نعتقد أن الشركات الأقوى سوف تنتهز الفرصة للقيام بعمليات استحواذ ذكية في المستقبل.» على صعيد آخر، أشار تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية الى أن انخفاض أسعار النفط ينجم عنه انتقال للثروة من البلدان المنتجة الى البلدان المستهلكة متمثلة في كبرى الاقتصاديات العالمية مثل الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين. الشركات كذلك تحصل على هامش أكبر وتتحسن القدرة الشرائية للمستهلكين، أسعار الوقود في محطات الوقود الفرنسية على سبيل المثال عند أدنى مستوى منذ أربع سنوات. يقول باتريك ارتوس الاقتصادي لدى كاتيكسيس: إن منطقة اليورو يمكنها بسبب تراجع أسعار النفط «ان تستفيد من الأثر الايجابي لتراجع اليورو على صادراتها دون ان تتأثر بسبب ارتفاع أسعار الواردات»، وأن تأمل في كسب نصف نقطة في اجمالي ناتجها الداخلي خلال سنتين. ويشير معهد كو-ركومنس الى انخفاض فاتورة الطاقة الفرنسية بخمسة مليارات يورو على الاقل خلال 2014، موضحا ان «الصناعة هي الرابح الرئيس ويتوقع ان تكسب ملياري يورو، أي أكثر من التسهيلات الضريبية من أجل تشجيع تنافسية التوظيف»، التي تعتمدها الحكومة الفرنسية أساساً للإنعاش الاقتصادي. ويقدر الاقتصادي نيك كونيس المحلل لدى «اي بي ان امرو» ان ما ستكسبه الدول المستوردة سيرفع نمو اجمالي الناتج العالمي بمعدل 0,7%. وكتبت وكالة ستاندرد اند بورز في تقرير عن منطقة الخليج ان «التراجع الاخير في سعر المحروقات، وفي حال استمراره لفترة طويلة، سيكون له تأثير كبير». وتشكل العائدات النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي الست في المعدل 46% من اجمالي ناتجها الداخلي. واعتبرت ستاندرد اند بورز سلطنة عمان والبحرين الاكثر تأثرا. ويقول كريستيان ديزيغليز الاختصاصي في الأسواق الناشئة لدى مصرف «اتش اس بي سي» : إن نصف الدول الناشئة ستتأثر سلبا بتراجع أسعار النفط. فالبرازيل استثمرت بكثافة في المنشآت والبنى التحتية النفطية التي سيكون من الصعب عليها استعادتها، كما حددت روسيا ميزانيتها على اساس سعر 100 دولار للبرميل مقابل 66 دولارا سعر اقفال الجمعة في السوق الامريكية، لكنه يضيف : إن «التراجع الكبير في سعر الروبل سيخفف الضغوط على الميزانية». وتبدو المؤشرات كلها سلبية في فنزيولا التي تعاني أساسا اختناقا ماليا ويشكل النفط 96% من مصادرها من العملة الصعبة. كما يؤثر تراجع النفط على استخراج الوقود الصخري في الولاياتالمتحدة الذي يحتاج لاستثمارات ضخمة للحفاظ على وتيرة الانتاج، ويعتبر المحللون ان الاستثمار في الوقود الصخري ليس مجديا عندما يكون سعر برميل النفط بين 65 و70 دولارا. وبالنسبة للانكماش فهو دوامة من انخفاض الأسعار والعائدات تؤدي الى شلل اقتصادي، وهذا الخطر جاثم تحديدا على منطقة اليورو، حيث تراجع التضخم الى 0,3% في نوفمبر. لكن دوني فران، المدير العام لكو-ريكسكود يقول: إن «لانخفاض سعر النفط تأثيرا ايجابيا على القدرة الشرائية وعائدات الشركات أكثر منه تأثيرا بالاتجاه الى الانكماش». والسؤال المطروح : «هل ستحتفظ الشركات بهذا التأثير الإيجابي باعتباره هامشا للتحرك؟ أم ستستفيد منه لمزيد من خفض الأسعار» وهذا سيدخلها في دوامة خطرة ؟ ويمكن ان يتم الالتفاف على تأثيرات انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد العالمي من خلال البنك المركزي الاوروبي الذي يفترض ان يحول دون دخول منطقة اليورو في الانكماش. وكتب مايكل هيوسون المحلل لدى «سي ام سي ماركتس» البريطانية : «أنا واثق من ان (رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو) دراغي كان يأمل سرا في أن تساعده أوبك في الاعلان عن خفض كبير في الانتاج» يؤدي الى زيادة أسعار النفط ورفع التضخم في واردات منطقة اليورو.