علاقة مدينة جدة بالفنون التشكيلية ليست جديدة، ومواقع العروض الفنية فيها تعود الى عقود تنوعت وتوزعت في ارجاء المدينة، وإذا كانت المدارس او الاندية او حتى مقار بعض الدوائر الاهلية؛ من المواقع التي عرض فيها الموهوبون مبكرا، فثمة قاعات خاصة ظهرت منذ عقود اسهمت في تنظيم اكثر للعملية الفنية ببرامج واهداف ومصالح مشتركة، كما ان هناك الميادين التي ظهرت فيها اعمال نحاتين سعوديين وعرب وأجانب، لتصبح جدة واحدة من المدن العربية التي يشار الى اهميتها الفنية. ضمن آخر قاعات العروض الفنية او الجاليريهات التي ظهرت في جدة جاليري «حافظ»، وكان يحمل قبل ذلك اسم (أيام) كأحد الفروع المتعددة التي انشأها رجل الاعمال خالد سماوي في بعض المدن او العواصم العربية والاجنبية. اطلقت هذه القاعة التي تقاسمها السماوي ورجل الاعمال الفنان قسورة حافظ معرضا هاما سمي ب(الطليعة)، هذا المعرض احتضن اعمالا لأسماء معروفة لها صفة ريادية في حركة الفن التشكيلي في المملكة، المشاركون في المعرض (عبدالحليم رضوي ومحمد السليم وعبدالجبار اليحيا وعبدالله الشيخ وطه صبان ومحمد الرصيص وعبدالله حماس وعبدالرحمن السليمان) تعود بعض اعمال معرض الطليعة الى السبعينيات، وعبرت عن مرحلة مبكرة في عمر بعض التجارب المحلية، حقق المعرض اهدافا محلية وخارجية في التعريف ببعض بدايات الفن التشكيلي المحلي؛ بل ان هذا التعريف امتد الى واحد من المزادات العالمية المعرفة وهو «سوبيز» الذي قدم في مزاده بالعاصمة القطرية قبل اشهر اعمالا مختارة من معرض الطليعة. لا شك ان مثل هذه المشاريع الفنية تتخذ صفة ريادية بالاسماء والاعمال المختارة في ظل السباق المحموم الذي تعيشه بعض القاعات الفنية التي ظهرت اخيرا في المملكة او خارجها، وتبنت اسماء وتجارب بعينها، بل انها مع سياستها الخاصة همشت او تجاهلت اسماء لها اهمية كبيرة في ساحة التشكيل المحلي، توجهات وأسماء قفزت على خمسين عاما من الممارسة والحيوية الفنية التي تشهدها البلاد في بعض مدنها كجدة او الرياض او المنطقة الشرقية، خطوة جاليري «حافظ» الذي يواصل تبني مشروع الطليعة ويتبنى افكارا وفعاليات تصب في ترسيخ الريادة الفنية ودور الرعيل الاول او من تلاه من الفنانين الذين برزت تجاربهم وتميزت شخصياتهم الفنية، انما ترسخ لتأريخ وتوثيق للفن التشكيلي المحلي وحفظ لأسمائه وتجاربه الفنية، اعتقد ان الاهمية الموازية للعروض هي الكتب، وفي معرض الطليعة تم إصدار ألبوم توثيقي للمناسبة تضمن صورا للفنانين في مراحل مبكرة من اعمارهم وبعض اعمالهم الفنية الاولى بالاضافة الى التقديمات التي كتبها القائمون على القاعة والمعرض. «حافظ» جاليري الذي استقل بالاسم وبالمشاريع بقيادة قسورة حافظ اصبح الآن واحدا من المواقع والمراكز الفنية الهامة في المملكة والخليج، على الاقل في هذه المرحلة، واستقلاليته تعني تأكيد شخصيته التي حققها من خلال فكرة معرض الطليعة والتأسيس له بتنسيق وجهد كبير من عراب الطليعة الفنان عبدالعزيز عاشور، هذا الفنان الذي سبق وأن صدر له كتاب هام هو (تشكيليون سعوديون اليوم) وهو من تعود له عملية التنسيق والاختيار بل وتحقيق شراكة في نجاح معرض المعرض. «حافظ» جاليري في خطوته الاولى التي رسمت شخصية المؤسسة او القاعة؛ تعني موقعا بارزا بين اقرانه في حركة الفن التشكيلي المحلي، ووعي بالعمل على توثيق يضع المسيرة الفنية المحلية في اطار سيرها الحقيقي الذي يحفظ حقوق كل الاجيال بدءا بالاسماء الاولى والاعمال المبكرة التي اطلقتها قرائح قليل من الاسماء التي تتصف بالاسبقية او الريادة، وبعيدا عن اطلاق مفاهيم الريادة او مناقشتها في هذا السياق فإن ما ننتظره من قاعة ك (حافظ) سيكون بحجم انطلاقتها الكبيرة والمحسوبة.