إذَا مَا طَمَحْتُ إلِى غَايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُورَ الشِّعَابِ وَلا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُسْتَعِر وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَالِ يَعِشْ أبَدَ الدََهرِ بَيْنَ الحُفرْ جزءٌ من قصيدة "لحن الحياة " أو "إرادة الحياة" للشاعر التونسي المبدع أبوالقاسم الشابي، الذي توفي في مقتبل شبابه، ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، وذلك بسبب إصابته بمرضٍ في القلب لازمه لفترةٍ من حياته. هذه القصيدة التي تُعد من أشهر القصائد في الشعر العربي الحديث، لاسيما بعد أن ارتبطت ب"الربيع العربي" الذي استحال "خريفاً عربياً" بعد أن ساءت الأحوال أكثر واختلط الحابل بالنابل، دون أن يعلم قائلها الذي مضى على وفاته أكثر من سبعين عاماً، لخَّّصت بإيجازٍ جميل نظرة الحياة للمتخاذلين عن العمل النافع، والمتقاعسين عن مجاهدة النفوس الميَّالة للخمول والدِّعَة، ظنَّاً منهم أن ما يفعلونه ما هو إلا استسلام للقضاء والقَدر، وأن رزق كل امرئ آتٍ إليه لا محالة، وإن كان جزءٌ من ذلك صواباً، بل ويستشهدون بأمثالٍ عفى عليها الزمن مفادها "لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش"، والله جلَّ في عُلاه يقول في كتابه الكريم: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى} سورة النجم -39. نعم الأرزاق بيد الله تعالى، ولكن ما يُدرينا -ولا يعلم الغيب إلا الله- أنَّ هذا هو ما كُتب لنا، وأنه لم يكن بوسعنا لو ثابرنا واجتهدنا أن نحصل على المزيد من كل شيء، وليس المزيد من المال فقط، فالعلم رزق، والمهارة رزق، والخبرة رزق، والعافية رزق، والحُبُّ رزق، والسعادة رزق، وكل ما نملكه رزقٌ وهِبة من الله مالك الملك سبحانه، ولكنها تزيد أو تنقص بحسب حكمة المولى عزَّ وجل، وبحسب ما يبذله كل منا للحفاظ على هذه الهِبة الربانية أو استثمارها فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة. ولعل البعض -وللأسف- بتردده المقيت، وتخاذله المميت يفقدها شيئاً فشيئاً، أو يفقد جزءاً جميلاً منها فيندم ولات ساعة مندم. وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الحَيَاةِ ورُوحُ الظَّفَر إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلابُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ وحتى استجابة القَدَرِ هنا لا تتم إلا بأمر الله عزَّ وجل والدعاء أحد أسباب تغيير قدر الله المعلَّق، كما قال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: (القدر ماض ولا يغيره شيء، لكنه قد يكون قدراً محتوماً، غير معلق على سبب يفعله العبد، أو يتركه العبد، وقد يكون معلقاً على أسباب، فالمعلق على الأسباب يزول عند عدم وجود السبب الذي علقه الله عليه، مثلاً أنه يشفى إذا دعا له فلان، أو عالجه الطبيب فلان، ولهذا أنت مأمور بالأسباب، مأمور بالدعاء، لأن الله عز وجل، قد يكون علق شفاءك على دعائك أو دعاء فلان لك، وهكذا طلب الرزق بالتجارة والبيع والشراء، شرع الله لك ذلك لأنه سبحانه قد علق رزقك وحاجاتك بهذه الأسباب التي أمرك بها وشرعها لك سبحانه وتعالى، فأنت مأمور بالأسباب والله مقدر الأمور جل وعلا، فإذا فعلت السبب الذي علق الله عليه رزقك أو شفاءك حصل المطلوب). والأخذ بالأسباب قوة، و((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) كما جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم. والقوة ليست في البدن فحسب، بل في العلم والمال والسلاح والوظيفة والصحة والسمعة الطيبة والجاه والتأثير، لكن كما هو معروف فإن القوة وحدها مدمرة ما لم يرافقها إيمان بالله وتقوى وحُسْن خُلُق. والحِرْص هو بذل الجُهد واستفراغ الوِسْع، فإذا صادف ما ينفعك وينفع الناس كان محموداً، وإن حَرِصَ على ما لا ينفعه، أو فعل ما ينفعه بغير حرص فاتهُ من الكمال بحسب ما فاته من ذلك. قبل الوداع : سألتني: حُلُمٌ تحقَّق هذا الأسبوع؟ فقلت: إنشاء الهيئة العليا لتطوير المنطقة الشرقية، ولن أزيد. هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَبُر فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَر