قرر المنظمون في المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة وسويسرا وبسرعة مذهلة اقتطاع حوالي 4.3 مليار دولار من بعض المصارف الكبرى في العالم لدورها في التلاعب في أسواق العملات العالمية، الآن يأتي الجزء الصعب: تحديد ومعاقبة الأشخاص الذين قاموا بالفعل بعملية التلاعب. إن عمليات التسوية التي عقدتها السلطات التنظيمية مع 6 مصارف – وهي يو بي اس، وسيتي جروب، وجي بيه مورجان تشيس، وبانك أوف أمريكا، ورويال بانك أوف اسكتلاند، وإتش إس بي سي هولدنج - ترسم صورة أصبحت مألوفة بكآبة عن فضائح التلاعب بالسوق السابقة، والتي تراوحت بين التلاعب في أسعار السلع الأساسية (وبالذات النفط والغاز) إلى التلاعب في مؤشرات أسعار الفائدة المرجعية (خصوصا سعر الفائدة بين البنوك في لندن، «ليبور»). جنى متداولو العملات الأجنبية أرباحا على حساب عملائهم وذلك من خلال انتهاك المعلومات حول الطلبات، وقاموا بالتآمر للتأثير على مقاييس مالية مرجعية مقرها لندن، والتي أثرت بدورها على تريليونات الدولارات في التعاملات والاستثمارات في جميع أنحاء العالم. استمرت التجاوزات التي فرضت بسببها الغرامات على البنوك المذكورة من عام 2008 حتى أواخر عام 2013، والتي استمرت حتى بعد أن توصلت بعض المصارف نفسها إلى تسوية حول التلاعب في المؤشر المرجعي لسعر الفائدة بين البنوك في لندن أو (ليبور). على الأقل فإن مصرفا واحدا آخر، وهو باركليز، ما زال يعمل على التوصل إلى اتفاق مع السلطات. توضح التفاصيل المقدمة من قبل الأجهزة التنظيمية فقط كيف أصبح التلاعب بالمقاييس والمؤشرات المرجعية العالمية أمرا مألوفا. كوَن المتداولون مجموعات – بأسماء مثل «اللاعبون»، و»الفرسان الثلاثة»، و»فريق أ» - ركزت على عملات محددة. باستخدام غرف محادثة خاصة، قامت تلك المجموعات بتشارك المعلومات بشكل روتيني حول طلبات عملائهم بهدف دفع مقياس رويترز لمعدل الصرف الذي يتم تعيينه يوميا في الساعة الرابعة عصرا بتوقيت لندن في الاتجاه المرغوب. كتب أحد المتداولين بعد محاولة ناجحة على ما يبدو لضرب الجنيه الاسترليني: «يا له من عمل جماعي لطيف». إن سوء التصرف في مثل هذا المقياس ما كان ليحدث من غير مشاركة، أو على الأقل غض البصر المقصود – من قبل عدد كبير من الناس الحقيقيين، على الأرجح بمن فيهم كبار الاداريين. لذلك، إنه أمر مشجع أن يقوم كل من مكتب الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة ووزارة العدل في الولاياتالمتحدة بإجراء تحقيقات جنائية، التي تتوقع وزارة العدل أن يسفر عنها اتهامات في وقت ما من العام المقبل. لسوء الحظ، لن يكون ممثلو النائب العام قادرين على إنشاء قضايا قوية ومتينة كما كانوا من قبل، إذ أنهم وصلوا متأخرين إلى هذه اللعبة، بحيث إنهم بدأوا تحقيقاتهم فقط بعد نشر أخبار بلومبيرج تقاريرها الأولى حول عمليات التلاعب في عام 2013. قبل ذلك، كانت أسواق العملات الأجنبية موجودة في لندن ضمن منطقة قانونية مموهة، حيث لا توجد قوانين تحظر التلاعب بصراحة. تغييران أساسيان من شأنهما أن يقوما إلى حد كبير بتحسين فرص ردع سوء التصرف في المستقبل. الأول، على مسؤولي الأجهزة التنظيمية أن يقوموا بشكل روتيني بتمحيص السوق للكشف عن أي نشاط مشبوه. التحليلات الإحصائية البسيطة هي كل ما احتاجه الصحفيون لكي يكتشفوا أن هنالك خطأ ما في أرقام المقاييس أو المعايير المرجعية للعملات وأسعار الفائدة. كلما كان التنبيه الموجه للمدعين ولفت أنظارهم مبكرا، كانت فرصهم لإنشاء مجال كامل من المخالفات أفضل. الثاني، يجب أن تكون عملية التلاعب بالمعايير جريمة في حد ذاتها، حيث إن انعكاساتها تتسع لما هو أبعد من المتداولين المتورطين لأنها تعمل على تقويض الثقة في الأسواق التي تلعب دورا حاسما في الاقتصاد العالمي. المملكة المتحدة تعتزم الآن بالفعل أن تجعل التلاعب في هذه الأمور جريمة جنائية مع نهاية هذا العام، كما أن الاتحاد الأوروبي قام بتوجيه أعضائه لعمل الشيء نفسه مع حلول عام 2016. توضح قضية العملات الأجنبية أن التصميم الجيد للسوق وحده لا يمنع التلاعب: ذلك أن المقاييس أو المعايير المرجعية للعملات كانت بالأصل منسجمة مع المبادئ الإرشادية التي تم إنشاؤها في أعقاب الكشف عن أعمال التلاعب في أسعار فائدة ليبور. أيضا تحتاج الأجهزة التنظيمية إلى أن تنتبه لما يجري، في حين يحتاج ممثلو النائب العام إلى قوانين لكي يقوموا بفرضها على مرتكبي المخالفات.