الفضائح التي أحاطت بالتلاعب بعدد من أهم المؤشرات المعيارية في الأسواق المالية في العالم، والتي تؤثر على الأسعار التي يدفعها الناس، مقابل كل شيء من النفط إلى القروض العقارية، تكاد تنزع الثقة من الأسواق الحيوية. أحدث فصل في ممارسات التلاعب والغش، كان في أسواق العملات، وهو يبين مدى صعوبة استعادة الثقة. يقوم موضوع التلاعب، على الطريقة التي تسير بها عملية تحديد أسعار صرف العملات مقابل بعضها. في الساعة الرابعة من عصر كل يوم من أيام العمل، يتم في لندن تحديد أسعار العملات الرئيسية، التي هي أكثر العملات تداولاً في العالم. تشير تقارير من بلومبيرج إلى أن المتداولين أساءوا التصرف بطريقتين. الأولى: هي أنهم كانوا يتبادلون فيما بينهم معلومات سرية حول الطلبات التي يضعها المتداولون (لدى البنوك)؛ لشراء العملات الأجنبية قبل عملية «التثبيت»، التي تتم في الرابعة عصراً، وهو ما أتاح لهم التربح على حساب المشاركين الآخرين في السوق الذين لا تتوفر لديهم المعلومات الخاصة. الثانية: هي أنهم كانو «يوقتون» ويهيكلون تداولاتهم لتحريك المؤشرات المعيارية لصالحهم، وبالتالي يضعون الصناديق المشتركة وصناديق التحوط التي تتداول بموجب السعر القياسي في وضع لغير صالحها. إن فكرة أن المؤشرات المعيارية في أسواق العملات تم التلاعب بها، هي فكرة تبعث على القلق إلى حد كبير، لأنها لا تخالف كثيراً من القواعد الإرشادية التي وضعتها الأجهزة التنظيمية بعد الفضائح السابقة. وهذا الأمر يختلف عن فضيحة ليبور، وهو سعر الفائدة لتعاملات القروض بين بنوك لندن، والذي يتم تحديده استناداً إلى تقديرات البنوك لأسعار الفائدة التي تستطيع بموجبها اقتراض الأموال. ذلك أن معدلات أسواق العملات -المعروفة بأنها معدلات و م رويترز- تستند إلى تعاملات موضوعة أمام الأنظار. كما تتم إدارتها أيضاً من قبل هيئة مستقلة، هي «ويرلد ماركتس»، ويتم حسابها باستخدام منهجية تخضع للفحص عدة مرات من أجل الدقة. (ويرلد ماركتس هي مؤسسة تابعة لشركة ستيت ستريت كورب وتومسون رويترز. يشار إلى أن شركة بلومبيرج تتنافس مع تومسون رويترز، وتوزع معدلات و م رويترز.) إذا كانت العملية التي من هذا القبيل، والتي تبدو أنها مصممة بصورة متينة، قابلة لأن يتم التلاعب بها، فكيف يمكننا الوثوق بالمؤشرات المعيارية، التي يدل اسمها على أنها هي التي تضع معايير التعاملات؟ في حالة أسعار صرف العملات، إذا أدخلتَ تعديلاً واحداً فإن ذلك يمكن أن يفيدك. يعتبر تثبيت الساعة الرابعة عصراً من الأهداف المغرية، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى أن كثيراً من المتداولين يتجمعون حول الفترة المحددة سلفاً والتي طولها 60 ثانية، وهي الفترة التي تستخدمها وم رويترز لتجميع بياناتها. على سبيل المثال، التحول إلى فترة عشوائية طولها 60 ثانية بالقرب من موعد التثبيت، سيجعل التلاعب أصعب بكثير. من الممكن أن تتقاضى البنوك رسوماً أعلى مقابل التداولات إذا لم تكن قابلة للتنبؤ إلى هذه الدرجة، لكن في كثير من الحالات فإن تجنب التلاعب يمكن أن يبرر التكاليف. بصورة عامة، سيكون دائماً لدى المطلعين على المعلومات الخاصة حافز كبير للتلاعب في الأسواق والتربح من المعلومات التي لا يعرفها غيرهم -وتبذل الأجهزة التنظيمية ما في وسعها لاستباق هذه الاستراتيجيات ومحاصرتها. ليس هناك أمل في هزيمة هذه الجهود، إذا لم تكن أعين الأجهزة التنظيمية مفتوحة في المقام الأول. في حالة أسعار ليبور، كان إجراء تحليل إحصائي بسيط هو كل ما احتاجه الصحفيون؛ ليعلموا أن هناك أمراً غير سليم كان يجري في الخفاء. أثناء الأزمة المالية لعام 2008م كانت البيانات التي تقدمها البنوك حول أسعار الفائدة المقترحة قريبة جداً من بعضها على نحو يجعلنا لا نصدق أنها جاءت هكذا بالصدفة. وفي حالة أسعار و م رويترز، وجدت بلومبيرج نيوز نمطاً مثيراً للشبهة في الارتفاع المفاجئ للأسعار قبيل موعد التثبيت في الرابعة عصراً. ومن المفترض أن التدقيق في حالات الاختلال المماثلة في جميع الأسواق سيكون مسألة روتينية. بعد اكتشاف التلاعب يأتي فرض القانون والردع. عملية شراء وبيع العملات للتسليم الفوري موجودة فيما يشبه «النقطة العمياء» بالنسبة للأجهزة التنظيمية. لا بد أن توضح السلطات أن التداول بناء على معلومات سرية والتلاعب لا يمكن القبول بهما في أية سوق، وأن تضمن أن العقوبات ستكون رادعة بحيث تجعل المحتالين يفكرون عدة مرات قبل التحايل. كثير من الأسواق المالية القياسية في العالم بحاجة منذ فترة طويلة إلى إدخال تغييرات وإصلاحات شاملة. الأجهزة التنظيمية على حق حين تضع القواعد الإرشادية، وأن تطالب بالمزيد من المساءلة والشفافية. لكن حتى أفضل القواعد من حيث الدقة والتصميم لن تكون لها قيمة تذكر ما لم يكن هناك شخص يراقب ويتفحص ما يجري على الأرض.