صدر تقرير اوبك لشهر اكتوبر الماضي، وتوقع التقرير أن يرتفع الطلب العالمي على النفط من 90،14 مليون برميل باليوم في عام 2013م الى 91،19 في عام 2014م أي أن الزيادة السنوية بالطلب تساوي حوالي مليون برميل باليوم، وسوف يشهد الطلب الاوروبي على النفط في نفس الفترة انخفاضاً يقارب 200 الف برميل باليوم، وايضاً ستشهد دول اسيا المحيط الهادئ انخفاضاً بحوالي 140 الف برميل باليوم، وتعتبر هاتان المنطقتان اهم اسواق وزبائن اوبك، وستشهد بالمقابل دول امريكا الشمالية ارتفاعاً بالطلب يقدر بحوالي 130 الف برميل باليوم، ولكنها ستشهد ايضاً زيادة كبيرة في إنتاج النفوط غير التقليدية، وستغطي هذا الارتفاع البسيط بالطلب، وستأخذ من حصة استيراد امريكا للنفط من الخارج. وسيشكل نمو طلب الصين ودول اوبك على النفط حوالي 70% من اجمالي النمو العالمي، ولذلك تبقى السوق الصينية وبعض الدول الاسيوية كالهند اهم الزبائن واهم اسواق استيراد النفط مع ابتعاد امريكا عن طلب المزيد من نفط اوبك ومع عدم نمو الطلب للنفط في اوروبا، وتتوقع اوبك ان يستمر نفس الاتجاه في عام 2015م، اذا الطلب العالمي على النفط نما بين 2013م و2014م بحوالي مليون برميل باليوم، وهذا النمو لا يعتبر كبيراً ولاسيما ان معظمه لدول اوبك وللصين فقط، وما زاد الطين بلة ان امدادات النفط من خارج اوبك زادت بحوالي 1،7 مليون برميل باليوم، معظمها من امريكا وكندا (حوالي 1،4 مليون برميل باليوم)، ويتوقع ان ترفع البرازيل إنتاجها من النفط بحوالي 240 الف برميل باليوم، ليصل الى حوالي 2،9 مليون برميل باليوم، هذا الانتاج الجديد من مشاريع البرازيل بالمياه العميقة عالية الكلفة، وهذا يعني ان هناك وفرة في معروض النفط العالمي تقدر بحوالي 700 الف برميل باليوم، وقد تكون هذه هي الوفرة بالمعروض النفطي التى تشير اليها وسائل الاعلام العالمية، ونتيجة لهذه الوفرة فلقد تدهور سعر خام برنت ليكسر حاجز 78 دولاراً للبرميل بعد ان وصل الى 115 دولاراً للبرميل في منتصف هذا العام، اي انه تراجع باكثر من 30%. الأكيد ان نمو الانتاج الامريكي من النفط الصخري هو ما تسبب بهذه الهزات في اسواق النفط العالمية، فلقد ارتفع انتاج امريكا بحوالي 1،4 مليون برميل باليوم عن انتاج عام 2013م، وتتوقع اوبك ان يستمر النمو بالانتاج بحوالي مليون برميل باليوم في عام 2015م، وهذا الانتاج الاضافي بمجمله قادم من النفط غير التقليدي، ويأتي معظم هذا الانتاج من حقول باكن وبريمن وايجل فورد، والجدير بالذكر ان الانتاج من هذه الاماكن ما زال في تصاعد حتى وصل انتاج منطقة باكن الى 1،2 مليون برميل باليوم، ومنطقة ايجل فورد انتجت في شهر اكتوبر الماضي حوالي 1،61 مليون برميل باليوم، واما منطقة بريمن فبحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية، فلقد ارتفع انتاجها الى 1،8 مليون برميل باليوم، وبذلك يكون اجمالي انتاج النفط الصخري في امريكا يقدر بحوالي 4،6 مليون برميل باليوم، واما الوقود الحيوي فلقد بلغ انتاجه بامريكا حوالي 1،1 مليون برميل باليوم، معظمها ايثانول والقليل منها ديزل حيوي، وبذلك بلغ مجمل انتاج امريكا من الوقود غير التقليدي شاملاً النفط الصخري والوقود الحيوي حوالي 5،7 مليون برميل باليوم، وتكون الولاياتالمتحدة سببت اهتزازات في اسواق النفط العالمية؛ بسبب عدم حاجتها لاستيراد المزيد من النفط وقرب اكتفائها من انتاجها وانتاج جيرانها من دول امريكا الشمالية، واما الاستهلاك الامريكي للنفط فقد ثبت عند حوالي 19 مليون برميل باليوم، بسبب الكفاءة العالية واستخدام البدائل، عكس النمو الكبير في استهلاك الصين وبعض دول الاوبك، وتتوقع ادارة معلومات الطاقة ان يرتفع استهلاك امريكا في اغسطس القادم الى 19،5 مليون برميل باليوم، ويبدي كثيرون قلقهم حيال قوة الطلب على الطاقة من جانب اكبر قوتين مستهلكتين للنفط وهما الصين وأوروبا، حيث يتباطأ النمو، ويشكل الركود الاقتصادي تهديدا، وعلى الرغم من تراجع اسعار النفط بحوالي 30%، لم تعرب بعض الدول الاعضاء في منظمة اوبك عن ارادة لخفض انتاجها خلال اجتماعها المقبل في 27 نوفمبر الحالي، ولا شك ان هناك خللا واضحا ما بين العرض والطلب في اسواق النفط، واذا استمر الانتاج والعرض بالتصاعد مقابل ركود بعض الاقتصاديات المهمة بالعالم فإن اسعار النفط موعودة بالمزيد من الهبوط. وينتج العالم حالياً حوالي 92 مليون برميل منها حوالي 56 مليون برميل باليوم من دول خارج اوبك، واما اوبك فلقد انتجت في شهر اكتوبر الماضي حوالي 30،25 مليون برميل باليوم، اي اقل بحوالي 200 الف برميل عن مستويات انتاج شهر سبتمبر الماضي، بالاضافة الى حوالي 5،8 مليون برميل باليوم من سوائل الغاز الطبيعي، ويبدو واضحاً وجلياً ان نسبة النفوط عالية الكلفة من صخري ورملي بالاضافة الى الوقود الحيوي قد ارتفعت كثيراً خلال السنوات الخمس الاخيرة، والحقيقة ان ارتفاع اسعار النفط الى مستويات اعلى من 100 دولار حفز منتجي هذه النفوط غير التقليدية وساعدهم على النمو والازدهار، وكانت النتيجة هي وفرة كبيرة بالمعروض من النفط وهبوط الاسعار. تدرك دول اوبك ان ارتفاع الاسعار بدرجة كبيرة ليس في مصلحتها على المدى البعيد، وهذه قاعدة ثابتة وغير سارة، ولذلك فإن عدم خفض الانتاج قد يكون قراراً استراتيجياً لحماية مستقبل ومصالح اوبك بإبعاد المنافسين غير التقليدين الذين يستطيعون البقاء فقط في بيئة الاسعار العالية، ويبدأون بالأفول والرحيل مع هبوط الاسعار، ولن تستطيع دول اوبك ان تنعم بالمزيد من الانتاج وبارتفاع الاسعار في نفس الوقت، ويبقى قدرها ان تختار بين اسعار معتدلة وانتاج عالٍ او اسعار عالية وانتاج منخفض، لم يزدهر انتاج الزيت غير التقليدي الا بعدما ارتفعت اسعار النفط، ومن ثم بدأ بمنافسة المنتجين التقليديين من اوبك وغيرها. وفي الختام فإن سعر النفط المناسب والعادل لدول اوبك ليس بالضرورة ان يكون نفس السعر المناسب والعادل لمنتجي الزيت غير التقليدي، والبقاء لمن يستطيع ان يتحمل مصاعب المنافسة وتحديات التجارة الحرة. *مركز التكرير والبتروكيماويات - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن