مع أن جمعيات العمل الخيري والتطوعي تنتشر في بلادنا - والحمد لله - طولاً وعرضاً مقدمة سائر أنواع الخدمات الإنسانية والخيرية والتطوعية لفئات عديدة من المواطنين هي بحاجة ماسة لمثل هذه الخدمات؛ إلاّ أن بعض الأعمال النوعية والمجالات المتميزة التي تطرقها بعض هذه الجمعيات تلامس المشاعر بصورة أكثر وقعاً وتأثيراً، ومن تلك الجمعيات "الجمعية الخيرية السعودية لتنشيط التبرع بالأعضاء في المنطقة الشرقية" (إيثار). والجمعية لمن لا يعرف تعمل كما قرأت وسمعت على لسان رئيسها الأستاذ عبدالعزيز التركي؛ على نشر ثقافة التبرع بالأعضاء من خلال الأنشطة التوعوية للتعريف بأمراض الفشل العضوي وأهمية التبرع، ونشاطها الرئيس جمع أكبر عدد ممكن من الموافقات على التبرع من الناس. ويضيف التركي أن الإقبال ممتاز خاصةً بعد أن يتفهم الزائر أهمية تبرعه بالأعضاء بعد الوفاة وينقذ شخصاً آخر. كما تعمل «إيثار» إضافةً إلى الحصول على التبرع مع المركز السعودي لزراعة الأعضاء بالرياض ومستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام من خلال مشروع "الشفاعة الحسنة"، وهو مجموعة تضم أحد الدعاة وشخصية اجتماعية مرموقة وعددا من المختصين، ومهمة هذه المجموعة هي الاتصال مع ذوي المتوفين دماغياً في المستشفيات لحثهم على تنفيذ وصية المتوفى والتبرع بأعضائه بطريقة علمية مدروسة، لأن كثيراً من أهالي المتوفين غالباً ما يعترضون على عملية التبرع حتى وإن كان المتوفى قد أوصى بالتبرع بالأعضاء لأسباب نفسية واجتماعية وغيرها. وفي اعتقادي أن كل من يعترض على مثل هذا التبرع سوف يغير رأيه إلى التأييد عندما تتضح العديد من الحقائق في مقدمتها قرار مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الرابع المنعقد في جدة عام 1408 ه، وقراره أيضاً في مؤتمره الثالث المنعقد في عمان عاصمة الأردن عام 1407 ه الذي نص قراره على ما يلي: "يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامات التالية: إذا توقف قلبه توقفاً تاماً وحكم الأطباء أن هذا التوقف لا رجعة فيه، وكذلك إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً تاماً وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء أن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه بالتحلل، وفي هذه الحالة يمكن رفع أجهزة الإنعاش عن الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة. وإذا اطلع من يطلع إضافةً إلى هذا على الفجوة الكبيرة بين أعداد المتبرعين بالأعضاء والمرضى المنتظرين وهي الفجوة التي تكون سبباً لوفاة ما معدله 15% سنوياً، إضافةً إلى ما تنفقه وزارة الصحة على من هم في غرف الإنعاش من المتوفين دماغياً والتي تقارب مليار ريال بمعدل عشرة أيام لكل منهم، وبعد ذلك لا يتم الاستفادة من أعضائهم بسبب رفض الأهالي فكرة التبرع مع أنهم يموتون بعد ذلك موتاً كلياً. وتشير الإحصائيات التي يمكن الحصول عليها من مصادر متعددة الى أن أعداد المرضى الذين يحتاجون لزراعة عضو من الأعضاء تزيد على 5000 مريض، فيما يبلغ معدل عدد الوفيات دماغياً من 600- 800 في المتوسط، أما بالنسبة لأسباب الوفاة الدماغية فإن حوادث الطرق تأتي في المرتبة الأولى بما يعادل 42% من هذه الوفيات، أما بالنسبة لأكثر الأعضاء توفراً فهي الكلى بمعدل 2500 حالة تليها القرنية بمعدل 560 حالة ثم الكبد 500 حالة. ومع أن القوانين الدولية تحرم التجارة بالأعضاء فإن بعض الأشخاص يسافرون إلى بعض الدول التي تعطي مجالاً لتجارة الأعضاء بغرض زراعتها لاعتقادهم أن ذلك هو الحل الأسرع بدلاً من الانتظار، وقد أدى ذلك في كثير من الحالات إلى تفاقم حالة المريض. ان الامر يستدعي بالدرجة الأولى أن نمد أيدينا كمواطنين بالعون لهذه الجمعية الرائدة، وأن نكون عوناً لها أولاً في نشر ثقافة التبرع بالأعضاء في المجتمع بدءاً بأنفسنا، ومن يمكننا التأثير عليهم ممن حولنا وفي ذلك يتجلى معنى (الإيثار) الذي حملته هذه الجمعية عن جدارة فكان اسماً على مسمى. * أكاديمي وباحث تربوي واجتماعي