لم يكن مستغرباً أن تشهد الساعات الأولى ل (فيديريكا موغيريني) في منصب المفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية زيارة إلى الشرق الأوسط الذي يعد أشد المناطق التهاباً؛ فالمسؤولة الجديدة لم تخف نيتها وضع الشرق الأوسط على قائمة أولوياتها، متسائلة كيف أن أوروبا المانح الأكبر للمنطقة ولكنها اللاعب الأقل تأثيراً. ومن ثم أكدت أن السنوات الخمس لدورتها ستشهد خطوات مصيرية مهمة في القضية الفلسطينية. وفي لقاء مع وزير الخارجية الاسرائيلي افيغادور ليبرمان قالت يجب ان يكون هناك تقدم ملموس على المسار السياسي، واذا لم يحدث ذلك فسوف نعود مجددا للعنف، وان الحاجة باتت ملحة جدا لوجود حل، لكن بناء المستوطنات الاسرائيلية على اراض فلسطينية يسهم في تعقيد المشكلة، ويقف عقبة امام السلام. الحرب على الارهاب وكانت فيديريكا موغيريني قد أكدت في توقيت سابق أن المملكة حريصة على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة واجتثاث إرهاب التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «داعش»، مشيدة بدورها في المشاركة بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال. وقالت: إن التحالف الدولي حريص على اجتثاث الفكر الإرهابي وقد يواجه تحديات تتسم بحجم المأساة الإنسانية للشعبين العراقي والسوري فضلا عن العدد الكبير للنازحين واللاجئين خارج البلاد. وإن الاتحاد الأوروبي يدعم هذا الائتلاف بجميع السبل المتاحة وعبر أدوار أحادية للدول الأعضاء كما هو الوضع بالنسبة لألمانيا وفرنساوإيطاليا وبريطانيا. وشددت على ضرورة دعم التحالف الإقليمي والعالمي لمحاربة الإرهاب، موضحة أنها طالبت بتشكيل مثل هذا التحالف قبل إعلانه، مشيرة إلى المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق دول المنطقة في الحرب على تنظيم إرهابي خطير. الاسلام والسياسة والمتابع لمسيرتها منذ البداية يجد أن الشابة اليسارية ملمة بالعديد من الجوانب المتعلقة بالمنطقة لا سيما أنها حصلت على رسالة الدكتوراة بأطروحة عن العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام من معهد دراسات العالم العربي في فرنسا. كما أن الأشهر القليلة التي شغلتها وزيرة لخارجية إيطاليا شهدت زيارة للمنطقة في مساعٍ للتهدئة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. ويومها أدانت إطلاق الصواريخ من غزة، كما اعتبرت المستوطنات الإسرائيلية عائقاً أمام التهدئة. وتعرضت (موغيريني) لهجوم شديد بعد أن نشرت على مدونتها صورة قديمة تجمعها بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في التسعينيات عندما كانت تنخرط في حملات ضد التمييز، والعنصرية، وكراهية الأجانب، وغيرها. وأمام الهجوم اضطرت لحذف الصورة. الحلم الأوروبي وعقبة المستوطنات وتأتي زيارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوربي في إطار رغبتها التحرك في المساحة المتاحة لها للعب دور أوروبي محوري في المنطقة، والتوصل لإنجاز في القضية الفلسطينية، وهو ما وعدت به في أول تصريحاتها. وجددت – في منصبها الجديد - الهجوم على بناء المستوطنات الإسرائيلية معتبرة الموافقة على بناء 500 وحدة سكنية جديدة في القدسالشرقية خطوة أخرى ضارة، من شأنها أن تقوض احتمالات التوصل إلى حل الدولتين، وتشكك في التزام إسرائيل بالتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين. وتدرك (موغيريني) أن طموحها في تحقيق إنجاز ضخم كإقامة دولة فلسطينية ليس بالأمر السهل. وصرحت للصحف الأوربية الكبرى في أول ظهور لها أنها تدرك حدود المساحة المسموح لمنصبها بالتحرك فيها. وشددت أنها ستسعى لوضع استراتيجية ورؤية سياسية مشتركة تمكن الاتحاد الأوربي من تبني نهج إقليمي أوسع في الشرق الأوسط لا سيما في هذا الوقت الأصعب للمنطقة. وفي تل أبيب يبدو التفاؤل الحذر من تولي (موغيريني) منصبها الجديد؛ فقد عملت في إدارة رئيس الوزراء الإيطالي (ماتيو رينزي) المعروف عنه بشكل عام مواقفه الودية تجاه إسرائيل. وأكد مسؤول إسرائيلي لموقع (تايمز أوف اسرائيل) أن مواقف حكومة رينزي كانت تصب في صالح إسرائيل إلى حد كبير، وأن هناك ما يدعو للأمل أن تواصل الوزيرة السير على ذات الخط في منصبها الجديد في بروكسل. المعضلة لم يكن وصول (فيديريكا موغيريني) للمنصب مرحباً به من الجميع؛ وقد تركزت أغلب الانتقادات في قلة خبراتها السياسية التي تؤهلها لمنصب رفيع كهذا. ويرى البعض أن مشوارها الأكاديمي لافت إلا أن شيئاً في سيرتها الذاتية لا يبين تفوقها في القيادة بحسب تعليق الكاتب الأمريكي إيراني الأصل سهراب أحمري في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال". ويوجه سهام النقد إلى مدونة فيديريكا .blogmog.it معتبراً عدم خبرة صاحبتها السياسية يتضح من خلال كتاباتها التي يقول إنها مادة دسمة للصحافة الساخرة في إيطاليا. وجاء في صحيفة (إل جورنالي) إن المدونة تعتبر بمثابة "فضفضة" فتاة مراهقة. وعلى الجانب الآخر يرى الكثيرون أن المدونة أصدق تعبير عن المرحلة بأسلوبها ذي الصبغة الشبابية، كما تشير لنشاط صاحبتها في الفضاء الإلكتروني. ومن جانبها علقت (موغيريني) على ما يثار عن قلة خبرتها قائلة إن لديها خبرة تراكمية في العمل السياسي. وتساءلت كيف يمكن للجميع أن يطالب بإعطاء الفرصة للشباب في حين يطالبون بخبرة سياسية لا تقل عن عقود!! كما أوردت مجلة "شبيجل" الألمانية. وأشارت إلى أن مساعي رئيس الوزراء الإيطالي الدؤوبة (ماتيو رينزي) - 39 عاماً - لإحداث تغيير للأجيال التي تدير البلاد. وظهر هذا جلياً في اتساع الفارق العمري بين الحكومة الحالية وسابقتها. ويتضح هذا في الفارق العمري بينه وبين سلفه بيرلسكوني، وكذلك بين (موغيريني) التي وصل الفارق بينها وبين (إيما بينينو) وزيرة خارجية إيطاليا السابقة إلى ربع قرن. وتتكرر اتهامات عدم الخبرة في ظل خلافة (موغيريني) ل (كاثرين أشتون) بما لها من خبرة، وهو نفس الموقف الذي تكرر في بداية العام عندما تولت المسؤولة الشابة وزارة خارجية بلدها خلفاً للمخضرمة (بنينو). وتشير التقارير إلى أن (موغيريني) بدأت حياتها السياسية بدعم قضايا اليسار، وتولت منصب نائب رئيس منتدى الشباب الأوروبي، ورئيس منتدى الشباب الاشتراكي الأوروبي "إيكوسي" بين عامي 1999 و2001. وتولت في 2003 مسؤولية الشؤون الخارجية لحزب اليسار الديمقراطي. وفي 2008، انتخبت بالبرلمان الإيطالي عن الحزب الديمقراطي - كامتداد لحزب اليسار الديمقراطي - ويومها انضمت لمسيرة دعماً للرئيس الأمريكي أوباما برداء يحمل صورته. وتولت في 2013 ملف السياسة الأوروبية بجانب ملف السياسة الخارجية، كما مثلت الحزب في لجنتي الخارجية والدفاع بالبرلمان الإيطالي. وبالإضافة لخبراتها التراكمية فقد كان للحظ دور في الوصول لوزارة خارجية الاتحاد الأوربي وذلك من وجهين يوضحهما تقرير لصحيفة (تليجراف) البريطانية: الأول هو السياسة المعتمدة بتوزيع المناصب العليا على أساس حزبي. وكان نصيب يسار الوسط تولي وزارة الخارجية، وبعد الفوز الساحق 40,8% للحزب الديموقراطي في الانتخابات الأوروبية ليصبح بذلك أول حزب يساري في البرلمان الأوروبي، قدم رئيس الحكومة الإيطالية ترشيحها لتخلف البريطانية (كاثرين اشتون). وثمة وجه آخر يتمثل في أن هذا الترشيح يحل مشكلة مسعى الاتحاد الأوربي لتولية أكبر عدد من النساء للمناصب العليا. وسبق أن صرح (مارتين شولتز) – رئيس الاتحاد الأوربي - أن المجلس التشريعي لن يقبل بتحول الاتحاد إلى "نادي جنتلمان" بحسب تعبيره. الدفء مع روسيا؟ تكاتف رؤساء دول البلطيق للتأكيد على أن توليها المنصب الأوروبي المرموق لم يكن موفقاً لأنها لن تكون حيادية فيما يتعلق بروسيا، لما اعتبروه "نعومة" في التعامل مع موسكو خلال الأشهر القليلة التي تولت فيها حقيبة خارجية إيطاليا. وقالت رئيسة ليتوانيا: إن موقف المسئولة الأوربية من موسكو يثير القلق لدى شعوب حررت نفسها من نير الحكم الروسي منذ عقود. وزاد من تلك المخاوف توجه (موغيريني) في آخر مهامها كوزيرة خارجية إلى موسكو وتصريحها أن بلادها ستسعى لإيجاد حل سياسي للقضية الأوكرانية خلال تولي إيطاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي. وقد أثار هذا الخطاب حفيظة أوكرانيا ودول البلطيق وبولندا لأنه يعتبر أن استيلاء بوتين على الأراضي الأوربية أمراً محسوماً، وأية تسوية تتم تكون بمراعاة مصالح كافة الأطراف. وتبقى مسألة مشروع "السيل الجنوبي" لمد أنابيب الغاز الطبيعي من روسيا لعدة دول ملتفاً حول أوكرانيا مما يحرمها من عائدات العبور. وقد رحبت وزيرة الخارجية الإيطالية آنذاك بالمشروع في حين يقف الغرب منه موقفاً رافضاً بهدف التأثير على روسيا. وتعتبر أوكرانيا ودول البلطيق أن روما تستغل منصب (موغيريني) لخدمة مصالحها دون غيرها. ولم يخفف هذه المخاوف الاتصال الذي أجراه رئيس الوزراء الإيطالي عشية تسلم وزيرة خارجيته منصبها القاري بالرئيس الروسي منذراً إياه من التبعات الخطيرة لاقتحام الأراضي الأوكرانية، ومطالباً بالتوصل لحل فوري لأزمة أوكرانيا. كما دافعت الوزيرة عن نفسها بالقول إن مساعيها هي محاولة لتسهيل شكل من الحوار. وأكدت أنه يجب إبقاء طريق الدبلوماسية مفتوحاً، مضيفة: أن الجميع يدرك أنه لا خيار عسكري، وذكّرت بأنها زارت كييف أولاً. مؤهلات الوزيرة الطَموح بخلاف الاتهامات الموجهة ل (موغيريني) تؤكد التقارير أن لديها من المؤهلات ما يبشر بأداء إيجابي لها في منصبها؛ فمن المعروف عنها أنها تعمل بجد وسط الضغوط، وأنها شديدة التنظيم. كما أنها قارئة جيدة للتقارير التي ترفع إليها، وتبرع في العمل الجماعي، ولا تهتم بمن يكون رئيسها بل تخلص في أداء المهام المنوط بها أداؤها على أكمل وجه. ويقول من عمل معها إن حماسها للعمل كثيراً ما أتعب من حولها. بالإضافة إلى أنها تحرص على انتقاء مستشاريها بعناية وتنصت إليهم وإن لم توافق توصياتهم رأيها كما يؤكد المحلل الإيطالي البارز (مايكل نونيس) الذي يعرب عن تفاؤله بأدائها المنتظر. بالإضافة إلى إتقانها التام للغتين الإنجليزية والفرنسية وبدرجة أقل الأسبانية، والقليل من اللغة العربية مقارنة بالإنجليزية المتواضعة لرئيس وزراء إيطاليا. ويؤكد (أليساندرو بوليتي) – مدير مركز الدفاع التابع لحلف الأطلسي - أنها تستوعب المستجدات التي تحيط بها سريعاً، كما تتعامل بسهولة مع القضايا الدولية وذلك من خلال عمله معها أثناء توليها الوفد الإيطالي في المفاوضات مع الجمعية البرلمانية لحلف الناتو. ومن جانبه يقول (نيكولا بيدو) – مدير معهد الدراسات العالمية بروما - إن (فيديريكا) أظهرت نبوغاً في دراسة العلاقات الدولية، وأظهرت شغفاً بالعلوم السياسية، وفي المجال التطبيقي أبلت بلاءً حسناً في السياسة الإفريقية. ويرى أنها نجحت في العمل السياسي في إيطاليا التي لا يمكن أن تكون مرموقاً في السياسة إلا إن بلغ عمرك مائة عام، إلا أنها أثبتت خطأ هذه النظرية على حد تعبيره. ويشدد أنها ستبرهن على نبوغها في منصبها الجديد. ولا تحبذ (موغيريني) – المولودة لأسرة من الطبقة العليا - التكلف في القيود الرسمية بل تفضل البساطة في حياتها اليومية حتى أنها لم تغير عاداتها بعد توليها وزارة الخارجية الإيطالية واستمرت في التمشية في الحي الروماني القريب من الفاتيكان حيث تقطن. وفي السفر الذي تعشقه يكون مقعدها في الدرجة الاقتصادية حتى في المهام الرسمية. موغيريني اثناء زيارتها غزة عقب العدوان الاسرائيلي