نغرق كثيرا في عالم كرة القدم، وننسى ألعابا كنا نعتقد أنها لن تبرح عقولنا وقلوبنا، ولن تغادر محيط اهتمامنا، ولن تستطيع أي قوة إبعادنا عنها، ولكن للزمن قراره، ولكرة القدم سطوتها ونفوذها، فمن كان يصدق قبل عقد من الزمان أن مواجهة الخليج والنور في دوري اليد ستمر مرور الكرام قبل وبعد المباراة، خصوصا لجماهير الساحل الشرقي وإعلامه ومنسوبيه ومسئوليه. من غيب الآخر.. اللعبة أم الجمهور؟ لا أملك إجابة محددة لكن الجميع يتحمل المسئولية من أندية وجماهير وإعلام، فالمستويات الفنية غائبة، والحضور الجماهيري تنازل عن عرشه في الصالات، والإعلام هرب نحو المجنونة كرة القدم. لعبة كرة اليد ولدت في الساحل الشرقي من رحم المعاناة، ووصلت للعالمية، وأبدعت وأبهرت وتجددت لأكثر من ثلاثة عقود، رسم الخارطة الخليج وحول أرضها القاحلة لواحة خضراء، وشكل النور رقعة واسعة من البحار امتدت خليجيا وعربيا، واحتل مضر مواقع مهمة فيها فوصل للعالمية، وسكن الصفا والقادسية ومن قبلهما الاتفاق والنهضة مدنا جميلة، وحتى العابرون بالقارب في بحر متلاطم مثل الترجي والابتسام والمحيط والهدى وجدوا لهم ميناء هاما في هذه الخارطة الكبيرة بيدها وإنجازها، وتغذيتها للمنتخبات على صعيد الدرجات المختلفة. الخليج والنور، أو السنبسي والسيهاتي نبع لا ينضب، ونهر مدد بعطاء لا يتوقف في تفريخ النجوم، ومحطة يتوقف عندها الجمهور والإعلام شئنا ام أبينا حتى لو كان تيار (القدم) يشبه عاصفة تسونامي، ففي الشرقية هناك عقول ما زالت تنظر لهذه اللعبة بأنها الأولى، وقلوب لا يدخل في قلبها السرور رياضيا إلا بمتابعتها، فهي في نظرهم (كل الألعاب وكل الرياضة). اليوم تتجدد هذه المعاني بمواجهة مرتقبة بين النور والخليج إعلاميا وجماهيريا وفنيا، فالأول يتسلح بمواقفه الأخيرة التي كانت له اليد الطولى في مواجهة الفريقين، والثاني يحمل مجده القديم لتجديده هذا الموسم بصعود المنصات وحصد الألقاب بعد سلسلة التعاقدات التي دعم من خلالها فريقه. لكرة اليد سحر لا يقاوم لأولئك الذين عشقوها منذ الصغر، فيها الحنين الذي يراودهم لماض تليد، وهي الأمل لمستقبل فريد، وهي المحطة التي لا بد أن يتوقف عندها الجميع ليعيد ذكريات سيد أحمد وعبدالعظيم العليوات وغيرهما ممن أثروا ساحة كرة اليد السعودية. ذكريات الأمس جمهور غفير كانت الكفة تميل لصالح الدانة سنوات، وللسنبسي سنوات، وكان للفن حضور، وللمهارة بصمة، وللإبداع لغة، فهل تعود هذه الأشياء في مواجهة اليوم؟. ما بين الأمس واليوم مسافة ما زالت قريبة بين الطرفين جغرافيا وتاريخيا ونتائجيا، فهل تبقى بنفس التوهج؟!