من المشاهد أن البيئة الثقافية والدينية التي نشأ بها المرء تنعكس على سلوكه وألفاظه التي يستخدمها، مهما حاول إخفاء قناعاته الدينية والثقافية، وخصوصا أمام من لا يشاركون نفس الثقافة والمعتقد، وليس الغرض من المقال الاستطراد في هذا السلوك البشري العام، إلا انه لا يمكن إغفال إقحام حاكم سلطة المال في نيويورك بنجامين لويسكي مصطلح توراتي قديم اثناء تحذيره من الهجمات الإرهابية الإلكترونية التي قد تتعرض لها المصارف في المستقبل، فأثناء حديثه عن الأمن المعلوماتي والخطر الذي قد يتعرض له القطاع المصرفي في العالم، ذكر ان القطاع المصرفي عليه أن يتوقع هجمة تخريبية أشبه بمعركة «ارمجدون». وفي اليهودية ارمجدون هي المعركة الفاصلة بين قوى الخير والشر، والتي على إثرها سيبزغ تاريخ جديد للإنسانية تكون العدالة فيه هي السائدة على الأرض. التحذير من مثل هذه الهجمات ضرورة «وهو هدف الأساسي من المقال»، إلا ان إقحام المصطلح التوراتي اليهودي القديم قد يحمل في طياته رسالة أو رسائل سياسية معينة وغير بريئة. بقي ان اذكر ان معركة ارمجدون وفق المعتقد اليهودي تقع في فلسطين. عودة إلى موضوع المقال الأساسي، فالهجمات الإلكترونية تشكل الخطر الأمني الأكبر للمصارف، فهجمة إلكترونية قوية على المصارف قد تؤدي إلى فوضى عارمة متى نجحت في اختراق قاعدة بيانات العملاء وتدميرها. والتحذير من الهجمات الإلكترونية الإرهابية لم يأت من الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط، حتى المشرع المالي في لندن حذر وبلهجة شديدة من هجمة مالية تدمر قاعدة بيانات العملاء وتمحو معلومات أرصدتهم مما سيسبب انهيارا ماليا مدمرا. الهجمة الإلكترونية المتوقعة نتاج حوادث متتالية بعضها نجح في اختراق المصارف الغربية وبعضها فشل. وكلا المشرعين شددا على ضرورة ان يكون الملف الأمني المعلوماتي في المصارف العاملة في بلديهما في يد المدير التنفيذي نفسه على الرغم من كون المسألة تقنية بحتة. الحقيقة ان الصراع الذي يدور ليس ماليا بحتا، والخوف من الهجمات هذه ليس نتيجة ألاعيب صبيانية بغرض إثبات الذات عن طريق إلحاق الأذى، بل هو صراع سياسي بحت أخذ منحى استهداف مصالح الدول المالية وتخريب الأمن المالي لخلق حالة من الهلع. ومثل هذه الهجمات لا يمكن ان يقوم بها أفراد أو جماعات بمعزل عن دعم دول بعينها ذات مصالح متضاربة مع الدول المستهدفة. فاستهداف الأمن المالي للشعوب لفرض أجندة معينة عمل إرهابي صرف لا يمكن تبريره وتمريره تحت أي مسوغ كان. كما ان إسقاط مصطلحات دينية على أي عملية مشروعة لحماية الذات هو الآخر عمل إيحائي يصور اتباع الديانات الأخرى على انهم من يقف وراء مثل هذه الأعمال الإرهابية. كما وينبغي عدم استخدام مصطلحات واسقاطات دينية حين يتم توصيف اي عمل مجرم إرهابي تافه وحقير، لما يؤديه ذلك من علامات استفهام وشبهات لا تخدم غاية مكافحة الإرهاب والجريمة بصوره وأشكاله المختلفة. ان خطر الهجمات الإلكترونية الإرهابية على النظام المصرفي العالمي خطر حقيقي وقائم وما زالت جهود التصدي له في مراحلها الأولى. ومتى نجح الإرهابيون في احداث اي اختراق وتدمير لقاعدة بيانات العملاء فسيكون لذلك عواقب ليس أكبرها فقدان الثقة في النظام المصرفي برمته. فقلق المشرعين الماليين في العالم ليس نتاج توهم او احتمالات قد تقع. بل هو قلق مبني على معلومات امنية وحوادث متتالية، بعضها نجح وبعضها فشل. وفي خضم هذا الصراع الشرس بين المصلحين والفاسدين، لا بد من انتقاء الالفاظ بعناية فائقة من قبل المسؤولين عن حماية النظام المالي، حتى لا تثار علامات استفهام الجميع في غنى عنها. فالجميع في غنى عن الحيرة في هذه الأوقات العصيبة. * متخصص مالي ومصرفي