تقلبات الأسواق المالية الأسبوع الماضي قد أعادتني إلى واحد من كتبي المفضلة بشأن الأزمة. حيث حكمته تبدو ذات صلة على نحو حديث. لقد تم نشر كتاب «الغرائز النشطة: كيف يقوم علم النفس البشري على دفع الاقتصاد، ولماذا يشكّل هذا أهمية للرأسمالية العالمية»، من تأليف جورج اكيرلوف وروبرت شيلر (كلاهما حائز على جائزة نوبل) في عام 2009. (كتبتُ مراجعة نقدية للكتاب حين كنتُ في فاينانشال تايمز). ومع أن معظم الكتاب تم تأليفه قبل دخول فترة الركود، لكن الأحداث لم تجعله يبدو في غير وقته - بل العكس تماماً. لقد وجدت أن الكتاب يتحسن فقط مع الوقت. شهد يوم الأربعاء الماضي، ارتفاع أسعار السندات الحكومية في الولاياتالمتحدة والانخفاض الأشد خلال اليوم في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 منذ عام 2011. لماذا؟ ليس بسبب أي تغيير معين في الأُسس الاقتصادية. أمام خلفية غير متغيرة أساساً من القلق بشأن قوة الانتعاش العالمي والمسار المستقبلي للسياسة النقدية في الولاياتالمتحدة وأوروبا، استسلم المستثمرون إلى لحظة ذعر. هذا الأمر مهم لأن الذعر يمكن أن يكون مُعدياً، وبالتالي يُحقق آثاره بيديه: نتائج هذه التقلبات لا تقتصر على الأسواق المالية. قام أكيرلوف وشيلر بدراسة الطرق التي تتفاعل فيها الثقة، حسب تعريفها الواسع، مع الاقتصاد. حين نقول: إن الثقة هي كل ما يهم، فربما يكون هذا أمراً مبالغاً فيه، لكن على مدى فترة من الدورة الاقتصادية، هناك قوى أخرى تميل فعلاً لتكون ضعيفة في المقارنة. واحدة من هذه التفاعلات التي تحركها الثقة هي بارزة الآن: الدور الذي تلعبه سياسة البنك المركزي، وبرنامج التسهيل الكمّي على وجه الخصوص، في تشكيل المزاج الاقتصادي العام. هذا قد يبدو طريقة غريبة للتعبير عن الأمر. برنامج التسهيل الكمّي، أو عملية شراء السندات على نطاق واسع من قِبل البنوك المركزية، تهدف إلى رفع أسعار السندات طويلة الأجل وبالتالي تخفيض أسعار الفائدة قصيرة الأجل؛ وأسعار الفائدة المنخفضة تقوم فيما بعد بتشجيع الاقتراض والإنفاق. هذه القصة لا تعتمد كثيراً على علم النفس. حيث تُشير التجربة إلى أن المنطق العادي للعرض والطلب في البداية يعمل بشكل جيد جداً، لكن تأثيره يصبح أقل مع الوقت. بعد فترة وجيزة، يكون برنامج التسهيل الكمي يتعلق أقل بالكميات وأكثر بشأن التحكم بالمزاج. في الواقع، يقول برنامج التسهيل الكمي إن البنك المركزي لا يزال على استعداد لاتخاذ تدابير استثنائية لدعم الطلب. هذه القناة مثقلة إلى حد كبير بالعوامل النفسية؛ وهذا يجعلها غير موثوق بها. في السادس عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، قام جيمس بولارد، رئيس الاحتياطي الفدرالي في سانت لويس، بمناقشة ما إذا كان ينبغي إبقاء برنامج التسهيل الكمي الذي يطبقه البنك المركزي الأمريكي على حاله إلى أبعد من تاريخ إلغائه المتوقع في نهاية هذا الشهر. لقد تم بالفعل تخفيضه ليصل فقط إلى 15 مليار دولار شهرياً، الأمر الذي دعاه بولارد بأنه «ليس منطقياً». قد يتساءل المرء، إذن لماذا الاهتمام باستمراره؟ لأنه يتباطأ، كما يقول بولارد، أصبح بإمكاننا «المراقبة وأصبحنا جاهزين ومستعدين للقيام بأشياء للدفاع عن هدفنا من التضخم». تلك الأشياء قد تكون بلا جدوى، لكن على الأقل إنها أشياء. بشكل غريب، من شبه المؤكد أنه مُحق: في هذه المرحلة، الرغبة في القيام بالأمور التي لا تحقق آثاراً كبيرة قد تحقق الآثار المرجوة منها. في عام 2012، قال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي: إن البنك كان مستعداً للقيام «بكل ما يلزم» لإنقاذ نظام اليورو. بدون معرفة، أو على ما يبدو الاهتمام، بما يعنيه ذلك، شعر المستثمرون بالراحة وانحسرت أزمة منطقة اليورو. مع ذلك لم تحدث تطورات كبيرة فيما يتعلق بالسياسة النقدية - لكن، مرة أخرى، الأمور التي ليست لها تطبيقات عملية كانت لها آثار مفيدة. لكن الآن، السحر قد تلاشى. فقد انجرفت منطقة اليورو إلى حافة الانكماش وسمح لها البنك المركزي الأوروبي بذلك. تأكيدات دراجي لم تعُد تبعث على الاطمئنان بعد الآن. بعض المبادرات غير القوية مطلوبة لتغيير النفسية. هناك مفارقة واضحة في كل هذا. كلما أصبحت هذه القنوات النفسية مفهومة على نطاق أوسع، أصبح من الصعب على البنوك المركزية وغيرها من صنّاع السياسة استغلالها. إذا اعتقد المستثمرون أن صنّاع السياسة لا يفعلون شيئاً غير محاولة التأثير على مزاجهم، فإن مزاجهم سيصبح أكثر مقاومة للتأثير. من المحتمل تماماً أن المقاومة يمكن أن تزيد لدرجة أن التغيرات المهمة في السياسة لن تكون لها عواقب بعد الآن. في قطاع البنوك المركزية، كما في معظم الأشياء، إن سر النجاح هو الإخلاص: إذا كان بإمكانك التظاهر بذلك، فقد نجحت. نظرة واحدة أخرى على كتاب «الغرائز النشطة» قد فاجأتني بقوة متجددة في الأسبوع الماضي، وتقطع شوطاً طويلاً في بيان السبب الذي يجعل هذا الانتعاش ضعيفاً. أكيرلوف وشيلر يجادلان أن قيام صنّاع السياسة بدعم الطلب بعد فترة من الركود لا يعد كافياً – رغم أهميته الفائقة. فهم يحتاجون أيضاً إلى مواجهة فقدان الثقة في الأسواق المالية بشكل مباشر أكثر، مع تدابير لرفع نظام الائتمان وجعله يعمل بشكل طبيعي. كما يجادل المؤلفان بشأن هدف السياسة المنفصل لتوفير الائتمان. «لا ينبغي أن يكون الهدف مجرد مجموع ائتمان ميكانيكي، لكن ينبغي أن يعكس الحالة الأكثر عموماً التي يكون فيها الائتمان متوافراً لأولئك الذين، في ظل الظروف الطبيعية، قد يكونون أهلاً له». بعد ستة أعوام من الأزمة، هل هذا الظرف العام مناسب؟ في وقت سابق من هذا الشهر قام رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي السابق بين برنانكي بإخبار مؤتمر في شيكاغو أنه لم يكُن قادراً على إعادة تمويل قرضه العقاري لأن طلبه رُفِض من قبل البنك. حيث قال، بنوع من التهوين المميز، إن تشديد ائتمان القروض العقارية «ربما لا يزال أمراً متطرفاً». آلان كروجر، رئيس مجلس الإدارة السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين، والذي يعتبر شخصاً آخر غير جدير بالإقراض، من المفترض أنه يتعاطف مع موقف برنانكي: حيث أخبر وحدة مراقبة بلومبيرج أنه تم رفض طلبه للحصول على قرض (وما يثير الاستغراب أنه دفع نصف سعر المسكن مقدماً، وأن القرض الذي طلبه لا يشكل سوى نصف قيمة المسكن.) لا عجب أن الاقتصاد في حالة ركود.