في حين يختار الموفقون استثمار مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي الإلكترونية في الإفادة والاستفادة، نجد آخرين جعلوها سِكّينا ينحرون بها أوقاتهم وربمّا أخلاقهم دون تسمية!. وفي غمرة هذه الوسائل وكثرتها وسكرتها ينسى كثيرون أنفسهم فيكشفون أسرارهم ويبدون نقاط ضعفهم وينشرون خصوصياتهم بأنفسهم، ولم يكن يدور بخلد الواحد منهم قبل ذلك أنه سيكشف بعضا مما كشف!! وتعدى بعضهم على خصوصية غيره، فنشر صوره دون إذنه بحجة أنه (يمون عليه) وأن المستقبل من خاصته، ولا يستطيع الاحتفاظ بالصور، وقد كشفت لنا الوقائع أن الاحتفاظ ممكن وأن عددا ممن وُثِق فيهم لم يكونوا محل ثقة فنشروا صوراً ومقاطع تسببت في حالات من التفكك الأسري، وفرّقت الأصدقاء، بل ربما تسببت في صدمات وأمراض نفسية! ثم إنه حين تجعل بعض الفتيات من نفسها كتاباً مفتوحا في مواقع التواصل الاجتماعي، فتكتب يومياتهما وتنشر صور أشيائها وتعبر عن تفاصيل همومها ودقائق أفراحها فإن هذا يسّهل استغلالها أو الإساءة إليها من بعض ضعاف النفوس. كم هو مؤلم أن يصر البعض على اعتبار هذه الوسائل مستودعاً آمنا ومَعبراً موثوقا لصورهم وأسرارهم، ولا تزال أخبار الاختراقات والانتهاكات تطرق أسماعنا، فمتى نعي، ونحسن استخدامها، فنملكها ولا تملكنا، ونستفيد منها دون أن تسلبنا وقتنا وقِيَمنا وأخلاقنا. ناهيك عن تحول بعض هذه الوسائل إلى ميدان للمباهاة والتنافس في الكماليات، حتى لجأ بعضهم إلى التشبع بما لم يُعطَ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور». لقد دفعت بعض هذه البرامج والمواقع بعض أبنائنا وبناتنا إلى الكذب تحت ضغط المنافسة وحب الظهور بحال تماثل حال من يرونهم نجوما في هذه المواقع. كما تسببت في تخلخل أساسات بعض البيوت حينما أكلت نفوس أهلها المقارنات. أما تساهل بعض الشباب والفتيات في التواصل دون حدود لأدب أو دين، ونسوا أنها أعمال تحصى وتكتب، ومستقبل يعرّض للخطر، فهذا أمر مؤسف، وواقع مؤلم. نحن بحاجة إلى التوقف عند كل برنامج وتطبيق فنسأل أنفسنا، لماذا دخلناه؟ وما هي حدودنا فيه؟ وأن نراجع ما مضى من أيامنا، ماذا استفدنا وماذا خسرنا؟ ومن عرف قيمة نفسه وأهمية وقته لم يبعهما على هذه الوسائل دون مقابل. قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «كان بهاء بيوتنا لنا لا لغيرنا، لا تفتح نوافذها للجادة فيرى داخلها».