انتشرت صور ومقاطع تحكي تفاصيل رحلات السفر الشخصية والعائلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عجيب، حتى باتت وكأنها ظاهرة تحتاج إلى دراسة، وتحديداً حينما تحولت إلى حالة من التباهي والتفاخر بحالة الثراء أو القدرة المادية لإتيان ما يأتيه الآخرون أو يقتنونه؛ مما يكشف تفاصيل فيها قدر كبير من الخصوصية يفترض الاحتفاظ بها في "ألبومات الأسرة"، بحيث لا يطلع عليها إلاّ المقربون، ولكن يبدو أن الأمور اختلطت على البعض، خاصةً ممن هم في مرحلة المراهقة بعيداً عن المراقبة أو التوجيه، لأنّ ما يتم تداوله سُرّب بالخفاء أو عن جهل، وهذا ما يجعل الحاجة ملحة للتوعية وإعلاء شأن الالتزام بالقيم والأخلاقيات التي تنظم وتحد من التجاوزات التي قد تضرُ بالأسرة وبأبنائها. حدود وتوعية ورأت "هيام المحيميد" أنّ نشر صور السفر عن طريق "الانستقرام" يكشف خصوصية الأسرة، مستدركةً: "لكن الانستقرام يتم تنزيل الصور به عن طريق ذاتي ويدوي بقرار الشخص نفسه، أي أنه الشخص هو الذي يقرر كشف خصوصيته، ولابد من إيجاد الحدود حتى لا تنتهك هذه الخصوصية، وتحديداً من صغار السن، إذ لابد أن يكون استخدامهم تحت إشراف شخص بالغ حماية له"، موضحةً أنّ بعض الأشخاص يتعمد كشف خصوصيته، حيث أنّ البشر بطبعهم لديهم حب الفضول والتعرف على كل ما في حياتك، فيتعمد نشر خصوصيته لينال عدداً أكبر من المتابعين!، لافتةً إلى أنّه من حق الأسرة أن تمنع أطفالها من استخدام التطبيقات بأكملها، حيث انّه في العديد من الدول يتم السماح للأبناء باستخدامها بعد سنة (15) سنة، منوهةً بأنّ المجتمع يعتمد كثيراً على المظاهر؛ مما يزيد صعوبة وضع الحدود لأنّ الأهل بحد ذاتهم يحتاجون إلى توعية. خصوصية مخترقة! ورأت "أثير الغامدي" أنّه لا غضاضة في اهتمام الشباب والشابات بتصوير تفاصيل رحلات السفر العائلية أو الشخصية، مبيّنةً أنّ هناك بعض التفاصيل التي يستمتع الشاب أو الفتاة بنشرها، ليس بهدف انتهاك الخصوصية بقدر ما هي للفكاهة ومشاركة الأصدقاء اللحظات الجميلة إذا كانت تخص الفرد نفسه، مؤكّدةً أنّها لا تجد صراحة أن نشر صور بعض الأماكن والأطعمة والمأكولات خصوصية، طالما أنّه نشرها برضاه ورغبته، مبيّنةً أنّه يجب بداية أن يتم تعريف الخصوصية، موضحةً أنّ هناك من يُعرف كل أمر بحياته على أنّه خصوصية، وهذا غير صحيح، فبمجرد مشاركة الفرد بمواقع التواصل الاجتماعي فذلك يعني أنّ لديه الاستعداد لأن ينشر تفاصيل جزء من حياته التي لايرى أنّها خاصة، فغالباً كل ما ينشر هو أطعمة أو قهوة أو أماكن عامة. أسرة توثق بالصور أدق تفاصيل رحلة السفر إلى الخارج وأضافت أنّ كل شخص قادر على تحديد خصوصيته ومالا يجب نشره في حال كان راشداً بالغاً، أما ما يحدث من انتهاك لخصوصية البعض والأسر فغالباً ما يكون من المراهقين والأطفال، الذين يجب أن يكونوا تحت رقابة الأسرة، لافتةً إلى أنّها تحب أن تشارك أصدقائها أجمل لحظات حياتها وبأفكارها، والصور التي تروق لها بعيداً عن أفراد أسرتها، فجميع ما تنشره ملكها ويخصها، لإيمانها التام بأنّه لا يحق لها نشر خصوصية غيرها. تفاخر.. وتباهي ودافعت "حنين الشهراني" -طالبة جامعية- عن استخدام برامج وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً في السفر كنوع من التوثيق لزيارة معالم عالمية لاكتساب المعرفة وجمع المعلومات من جهة والمتعة والترفيه من جهة أخرى، موضحةً أنّها ممن يؤمنون أنّ اللحظة الجميلة لا يمكن أن تعاد إلاّ بطريقة أخرى؛ لذا تحرص على توثيقها عن طريق الصور، ولأنّ السفر من اللحظات الفريدة التي تسرق منها راحةً لا يمكن إيجادها وسط المدينة من ارتباطات الحياة ومشاغلها، متسائلةً عن سر انتشار الهوس الاستهلاكي لدى البعض، خصوصاً عندما ظهرت تطبيقات التصوير ومشاركة اللحظات مع الأصدقاء، إضافةً للكثير من المزايا مثل سهولة البيع والشراء من خلال المتاجر؛ مما يجعلنا نقف متأملين أمام هذا الموقف، هل الأمر لا يعدو كونه صور موثقة تحفظ لنا الذكريات؟ أم أنّ الصور أصبحت لغة العصر في الترويج وباتت هي العجلة المغيّرة لأفكار وثقافات المجتمع؟ وأضافت أنّها أجرت استطلاع رأي مصغر عبر حسابها في أحد مواقع التواصل؛ أجمعت فيه الصديقات على أنّ توثيق رحلات السفر أمر مقبول جداً، ويجد رواجاً كبيراً بين الشباب والشابات، إلاّ أنّ هناك تجاوزات أو سلوكيات غير لازمة، ولا تشكل أي إضافة مهمة للمتابعين، لافتةً إلى أنّ الاستطلاع كشف عن رغبة في التفاخر والتباهي بمستوى ما تتمتع به في السفر من رفاهية وفخامة، بدءاً من تذاكر سفر الدرجة الأولى، إلى الفندق الخمس نجوم، ووسائل التنقل، واقتناء الماركات العالمية في الملابس، وارتياد الأماكن. مفهوم خاطئ واعتبرت "د. هند الخليفة" -أستاذ مشارك جامعة الملك سعود قسم الدراسات الاجتماعية- نشر الصور والفيديوهات التي تحوي تفاصيل بعضها أقرب ما تكون شخصية عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بأنها مؤشر سلبي وأمر مقلق، متحفظةً على كونها ظاهرة إلاّ بعد نتائج دراسات علمية، مبيّنةً أنّها موجودة فعلياً كسلوك شبه عام في منطقة الخليج والعالم العربي عموماً، مرجعة أهم أسبابها إلى عوامل عديدة في مقدمتها المفهوم الخاطئ للحرية التي قد تعرض الشخص نفسه والآخرين للانتهاك. وأضافت أنّه في المجتمعات المنغلقة حيث عدم وضوح ثقافة الأسرة أو المجتمع جعل تطور برامج الاتصالات كمواقع التواصل الاجتماعي أشبه ما تكون بقنوات عامة، وساحة مفتوحة لأفراد المجتمع ليمارس نوعا من التفاعل الافتراضي الوهمي، يختلف عن التفاعل أو التواصل الحقيقي، لافتةً إلى أنّ هذا التفاعل مورس بإسراف كبير، اعتقاداً منهم أنّه حقيقي وكبديل عن قنوات التعبير عن الرأي في المجتمع، معتبرة أنّها مؤشر خطير اجتماعياً وأمنياً، حيث نشر وترويج الأفكار والشائعات المعززة للفرقة والعنصرية والتحيز والطائفية. مراهق التقط صوراً لأسرته في البحر ونقلها لحسابه على «الانستقرام» دراسة نفسية وأوضحت "أمل الحسين" -مؤلفة ومخرجة- أنّه في البداية لا بد أن نعالج مشكلتنا في رغبتنا الدائمة في الفرض والضبط، وغيرها من الجمل والعبارات التي تجعل فئة تعتقد أنّها أفضل من غيرها، ولها حق سن عقوبات أو ضوابط على الآخرين كون تصرفات الفئة الأخرى لا تروق لها، موضحةً أنّها لا توافق على سلوكيات نشر كل صغيرة وكبيرة من حركات الفرد أو الأسرة، ولكن في الوقت نفسه هي ضد اعتقاد البعض أنّه أفضل منهم، كونه لا يفعل فعلهم، وبالتالي له الحق في فرض أو حتى اقتراح عقوبات أو ضوابط لهم!. وقالت: "لابد أن نعترف في أذهاننا أولاً بدور الشخص ذاته وحقه، اعترافنا سيخفف من نبرة فوقيتنا على الآخرين، واعتقادنا بالأفضلية، حيث أنّ هذا التصور الذي يحمله كل فرد عن نفسه هو سبب تأزمنا الاجتماعي الحقيقي، وسبب النفرة المنتشرة بين الأفراد في المجتمع، وسبب انتشار مرض الوعظ بيننا!، يجب أن نأخذ درساً مما سبق، فحياتنا قائمة على المنع والضبط والوعظ ومصادرة حرية الأفراد لسنوات طويلة، ماذا نتج عنها؟ نتجت كل هذه الظواهر التي يُشتكى منها اليوم"، معتبرةً أنّ وسائل التواصل كشفتنا وأظهرت مستوى عقولنا وحاجة نفسياتنا؛ لذا انتشرت مسألة تصوير كل تفاصيل دعوة عشاء، كل رحلة للخارج، كل قصص المنزل، ولا ننسى خلق الأكاذيب وتأليف القصص للفت نظر وإضحاك المتابعين وزيادة عددهم، الحالة التي تحتاج لدراسة نفسية، إذ لم يسلم من هوس المتابعين حتى من كانوا متزنين وذوي عقل ورأي، حيث سقطوا في مزالق لإرضاء فئات معينة أو للإضحاك دون النظر لمحتوى ما يكتبون وأبعاده. وأضافت أنّ هذا الأمر مثل غيره من "الموضات" التي اجتاحت المجتمع مع دخول وسائل التواصل؛ سيأخذ فترة من الزمن ثم يرحل، وتأتي غيرها، موضحةً أنّ الغريب ليس في نشر الصور بحد ذاتها، بل في من ينشر كل هذه التفاصيل وهم فعلياً لا يعيشونها، ولا يستمتعون بها، لانشغالهم بتصوريها ونشرها لمتابعيهم، وتبادل التعليقات، وبدل التخطيط للأماكن التي يحبونها يخططون للذهاب للأماكن التي تثير إعجاب متابعيهم، لافتةً إلى أنّ معظم المتخفين بأسماء مجهولة ويتبعهم ألوف مؤلفة من الناس هم شبه وحيدين في واقعهم، حياتهم قائمة على عالم الفضاء، وهذا الأمر ليس مقتصراً على الشباب وما دون، حتى الكبار في العمر يعيشون مثل هذا الوضع، بما فيها مسألة الصور ونشرها أو دعم أبنائهم لنشر الصور. وأشارت إلى أنّها قد لا تتفق مع هذا السلوك ولكن لا تجده سلوكاً مشيناً يحتاج لوقفه وردعه، بل يحتاج أن نفّعل واقعنا أكثر ليكون جذابا وفعالا لنا جميعاً كأفراد، فاللجوء لعالم الفضاء كان بسبب جفاف الواقع، وقد يكون بسبب مشكلة نفسية يعاني منها الفرد مثل الخجل الشديد بمواجهة الناس، أو الانطواء وغيرها من المشاكل التي قد يجد في التخفي باسم مستعار، وتكوين صداقات في العالم الفضائي تنفيساً ممتازاً لحالته. الاحتفاظ بذكرى السفر يدفع البعض إلى توثيق رحلاتهم الخاصة