من الواضح جداً أن وسائل الإعلام الجديد كشفت عن تزعزع في القيم الدينية لدى كثير منا، وبالتالي انعكس هذا الأمر على أحوالنا الاجتماعية فتكشفت عيوب وتضخمت عيوب واستجدت عيوب أخرى، والأسوأ أن بعضها صار من المسلمات التي يحسب بعضنا أن الحياة لا تستمر إلا بها. كتبت أكثر من مرة عن عمليات التجميل والمبالغة في الزينة عند بعض النساء الكبيرة منهن والصغيرة وليس الهدف هنا التحدث عن العمليات نفسها والتهافت عليها حتى لا أكرر ما سبق، لكن الفكرة هي في الفكر الذي يجعل المرء يقدم على عملية تلو أخرى في غير حاجة فقط ليحقق مقاييس جمالية هي في الغالب مقاييس جمال بعض الفنانات اللاتي ينظر لهن المجتمع بشكل عام نظرة ازدراء. وفي الوقت نفسه يتهافت على تقليدها من يتهافت والسبب ليس لأنها جميلة وليس لأنها تجري عملية تجميل كل ستة أشهر ربما، لكن لأنها ترى ذاك الاحتفاء بها كأنموذج للأنوثة الطاغية والإغراء الذي تستخدمه في أفلامها أو وقفاتها المسرحية أو الغنائية. ورغم أن وجوههن أصبحت جميلة، لكن خالية من أي تعبير أو انفعال ينم عن شعور ما ! فتضحك، لكن قسمات وجهها جامدة، وتغضب وهي جامدة الملامح فلا فرق بين الضحك والحزن والغضب؛ لأن عضلات الوجوه صارت مستهدفة بالإبر البوتوكسية حتى لا يظهر أي خط طبيعي في الجلد فيبدو الوجه وكأنه قطعة بلاستيك لا حياة فيها لدرجة يهيؤ لي معها أني لو مررت كفي عليه فلن يتحرك فيه أي جزء. ويذكرني هذا التخيل بمشهد لنور الشريف في فيلم (سواق الأتوبيس) وكان يعمل اسكافياً طحنته الهموم - إن لم تخني الذاكرة - كان يحمل الفرشة الخاصة بمسح الأحذية التي راح يفركها بما فيها من صبغة سوداء في وجه أحدهم بعد إغاظته له، وهو يقول له : أنا بتاع الوشوش. والحقيقة أني كلما شاهدت إحدى صاحبات الوجوه البلاستيكية اشتهي أن أكون بتاعة وشوش ! وإذا كان الإغراء هو السبيل للحصول على مزيد من العروض والمال أو مزيد من الرجال الذين تتلاعب بهم تارة بالحلال وتارة بالحرام من أجل المال !! فماذا تريد الفتاة التي يتراوح عمرها بين العشرين والثلاثين من العمر ؟ ماذا تريد بالضبط عندما تسجل لنفسها فيديو تتغنج فيه وتبرز مفاتنها الطبيعية والمصطنعة بالضبط كما تفعل بائعات الهوى؟ وكأنهن أصبحن النموذج الذي يقتدى به !! ماذا تريد وقد نشأت في بيئة محافظة إلى حد كبير - ومازالت كذلك - لدرجة أنك ترى الأم أو الأب يستخدمان تلك البرامج ليرسلا المواعظ وابنتهما تسجل مقطعاً تتراقص فيه على أنغام موسيقى سيارتها بوجه يئن من الماكياج والشفاه المنفوخة والرموش الصناعية التي صار استخدامها لا يختلف عن استخدام المناديل الورقية في السهولة بعد أن كانت لا تستخدم إلا في المناسبات الهامة صارت تستخدم من الصباح حتى المساء بشكل يومي عند بعضهن ! أتدرون لماذا لأن من تعمل على صناعة جمالها كل يوم تصبح غير قادرة على النظر إلى وجهها في المرآة دون تجميله كما تعتقد، ولأنها أيضاً - وإن بدت معتدة بذاتها - إلا أنها في الحقيقة تشعر بتدني قيمتها الذاتية داخلياً. حين خطرت ببالي هذه الرموش الصناعية انبعثت من الذاكرة أغنية تقول : رمش عينه اللي جرحني رمش عينه رمش عينه اللي دبحني رمش عينه ولت الرموش التي تجرح من ينظر اليها جرحاً معنوياً، وحلت محلها الرموش التي تجرح الجمال والحقيقة واليد أيضاً لأنها صناعية !! وأخيراً إذا كانت محاكمنا اليوم تشهد قضايا تكافؤ النسب فإنها ستشهد في السنوات المقبلة قضايا إثبات النسب، لأن الأبناء لن يشبهوا أمهاتهم الجميلات!