الآن أصبحت الأمور واضحة في اليمن، إذ وضع الرئيس عبد ربه هادي الحوثيين أمام مسؤولياتهم وتعهداتهم، فبعد تعيين رئيس وزراء جديد، يتعين ألا يعرقل الحوثيون تشكيل الحكومة ويماطلوا لكسب المزيد من الوقت. وتفرض عليهم المسؤولية الوطنية والمصلحة اليمنية أن يبدأوا بسحب ميلشياتهم من صنعاء من الغد وأن يستعدوا لتسليم اسلحتهم إلى الجيش اليمني ليعود اليمن دولة وحدة ومؤسسات وجيش وقوات أمنية لا دولة تتحكم فيها ميلشيات تفتقر إلى الحد الأدنى من احترافية إدارة الدولة، وتعيش في اوهام ثقافة طائفية لا مناسبة لها في اليمن. وتعيين رئيس وزراء جديد في اعقاب رفض الحوثيين تعيين احمد بن مبارك يعني أن الرئيس هادي قرر سحب الأوراق والاعذار من أيدي الحوثيين، للعودة إلى إدارة الدولة والتعجيل بسحب الميلشيات المسلحة من شوارع صنعاء والبدء في نزع الأسلحة من أيدي الميلشيات بما فيها ميلشيات الحوثيين. وفي الواقع فإن المبادرة الخليجية كانت تهدف إلى منع اليمن من أن يكون نهباً للميلشيات والحرب الأهلية، واستمرار مراوغات الحوثيين وتملصهم من الالتزام بمقررات الحوار الوطني ومحاولة الاحتفاظ بالأسلحة يعني إجهاض المبادرة الخليجية وجلب نظام حرب وفوضى أسوأ من نظام علي عبدالله صالح الذي تردد أن مواليه تحالفوا مع الحوثيين وساعدوهم على احتلال صنعاء لإجهاض المشروع الخليجي الدولي. وأيا كان الأمر فإن اليمن في تلك الاوضاع لا يتحمل لعب تبادل الأدوار ولا المراوغات ولا التكتيكات ولا ثقافة الحرب بالوكالة عن طهران أو خدمتها عن بعد كما يفعل الحوثيون. وأكبر الأخطاء أن يقع الحوثيون بنفس الأخطاء التي وقع فيها رجال طهران وعملاؤها في الوطن العربي مثل نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق الذي شن حربا طائفية همجية في العراق لحساب طهران، وهو الآن مهزوم ومهمش واضطرت طهران للتضحية به حتى وإن كان خادمها المطيع، وحسن نصرالله أمين حزب الله اللبناني الذي أدخل حزبه المستنقع الطائفي الإيراني في سوريا، وقد ينتظر محاسبة شيعية وطنية عسيرة في لبنان. وإذا وقع الحوثيون في ذات الاخطاء، فلن تغنيهم تمجيدات إعلام طهران، لأن اليمنيين رجال لا يسكتون على ضيم وقبائل شجاعة لا تركع إلا لله. ثم إن التحالفات التي مكنت الحوثيين من احتلال صنعاء لن تستمر في جانبهم إذا ما واجهت ضغطاً قَبلِيا، وقد تنقلب ضدهم وربما يدفعون ثمناً باهظاً في صعدة ذاتها. لهذا يتعين على الحوثيين ان يتصرفوا بعقل وحكمة وبعيداً عن املاءات طهران التي تشحنهم طائفياً كي يرتكبوا حماقات تشعل الأوضاع في اليمن وفي المنطقة. ولا يهم طهران إذا كسب الحوثيون أو خسروا إذا ما كان ذلك يحقق مصلحة إيرانية. وسبق أن جرب الحوثيون أن طهران وعملاءها في حزب الله قد حرضوا الحوثيين على العدوان على قرى حدودية سعودية عام 2009، ولكنهم تلقوا، وحدهم، درساً بليغاً وموجعاً وتحملوا الخسائر ولم تتأسف طهران ولم تتألم ولم تأبه لمصابهم.