عينه دائما في أعينهم, يرقب ردود الافعال ويتأمل الوجنات والإيماءات, حريص جداً على رضاهم مهما كلف الامر. قبل أن ينام يبدأ بعدّ الأشخاص ويتساءل هل فلان راض عني؟ ويعتقد انه سوف يحصل على رضا كامل الدسم من الناس الذين يعمل معهم او يلتقي بهم ويعيش بينهم، اقارب اصدقاء جيران محبين معارف زملاء شرائح مختلفة من العلاقات تحيط بعالمه, وصاحبنا يقاتل من اجل ارضائهم فهو لا يرفض لهم طلبا ويجامل الجميع على حساب نفسه ويعتقد ان هذه المرونة اللامحدودة هي ما ستوصله الى منصة التتويج وحدائق الناجحين وسوف تضمن له مقعداً رفيعاً معهم. غاب مشروعه الشخصي وأهدافه الحياتية لأن وقته ضائع في البحث عن رضا الناس واللهث وراء طلباتهم فلقد تحول من صانع للأهداف الى منفذ لأهداف الآخرين ومن صاحب مشروع الى جزء من مشاريع الآخرين ومجاملاته اللامحدودة جعلت من حياته مسرحاً لأشواق الآخرين وتمنياتهم وطموحاتهم ولكنها خلت منه هو شخصياً, فهو البطل الغائب في هذه المسرحية التي كان يفترض أن يكون عرابها الأبرز!! بعد سنوات اصبح يبحث عن الانجازات والمخرجات لكنه تفاجأ بان النتيجة كانت صفر اليدين, وأن المزرعة التي كان يزرعها كانت مزرعة غيره وانهم راضون عنه طالما هو في خدمتهم, فلم يكن الا حجر شطرنج على طاولة يحركها الناس من حوله. المبالغة في البحث عن رضا الناس أمر مرهق للنفس ويقع احيانا تحت بند ظلم النفس لان هؤلاء الموهومين بأن رضا الناس غاية تدرك يقعون دائماً في فخ الضغوط الشديدة على النفس وربما العائلة والتفريط بالكثير من الحقوق الشخصية والمصالح المهمة والحقوق الواجبة في سبيل أن يسمع كلمة رضا يطرب لها، وقد لا يسمعها حين لا يقول لصاحبها سمعاً وطاعة في قادم الايام ويصبح بين ليلة وضحاها من المغضوب عليهم. لن نجد السعادة الا في حياة متوازنة في الاخذ والعطاء والقاعدة الشرعية تقول لا إفراط ولا تفريط وهنا وجب ان نفهم نفسيات البشر وشخصياتهم وهذا يجعلنا نعلن التعاون والتكامل مع الآخرين وحُب الإحسان والخير والتفاعل في المجتمع ولكن ليس على حسب ذواتنا التي لابد ان نسمع صوتها الداخلي ولا على حساب الأسرة التي لا يجب ان تكون آخر أولوياتنا وأن نراعي المصالح والمفاسد في كل توجهاتنا التي يجب ان تكون مضبوطة على بوصلة محددة وواضحة. فالشخصية الذكية تجامل ولكن لا تجلب تلك المجاملة أي ضرر أو تبعات سلبية، ومن الحصافة في كل زمن ان يتعلم الانسان فن الاعتذار بكل رقي عمّا لا يستطيع فعله ولا يكلف نفسه فوق طاقتها من أجل أن يظفر برضا مؤقت من زيد او عمرو من الناس, فالناس تتبدل مصالحهم ونفسياتهم واخلاقهم وافكارهم كما يتبدل الليل والنهار ومن الكياسة الا نربط انفسنا بشكل كبير ومبالغ فيه برضا الناس وان نركز على وجود مشروع شخصي نعيش من اجله نسعد فيه ونرتقي بالدنيا ويقربنا من الله ورحابه زُلفى ويكون للجنة طريقاً وسبيلاً.