البلدان ذات الدخل الهائل من الموارد الطبيعية لديها خيار : إنفاق المال أو ادخاره لوقت لاحق، وكما اكتشفت هولنداوالنرويج، كل نهج من هذين النهجين له عيوبه. أصدر ديوان الرقابة المالية الهولندي تقريراً قوياً يشجب فيه إدارة الحكومة للإيرادات من حقول الغاز الطبيعي في هولندا خلال نصف القرن الماضي. ويعتقد الديوان أنه لو كانت الحكومة قد ادخرت العائدات في صندوق خاص، لكانت عائدات الغاز التي وصلت تقريبا إلى 265 مليون قد تضخمت إلى 350 مليار يورو (442 مليار دولار بسعر الصرف الحالي) بحلول يناير 2014. بدلاً من ذلك، اختفى المال إلى حد كبير في الخزينة الهولندية، وبلغت عائدات الغاز التي كان من الممكن تتبعها فقط 26 مليار يورو استخدمت لتمويل بعض مشاريع النقل والمشاريع البيئية، بما في ذلك السكك الحديدية التي تربط هولندا بالشبكة العالية السرعة الأوروبية. ولو كانت هولندا قد أنشأت صندوقا لذلك، لكان الدخل من الاستثمار وحده كافياً لتغطية نصف تكاليف المشاريع، وفقاً لما يعتقده ديوان الرقابة المالية. وربما قد فات الأوان الآن بالنسبة لهولندا لتغيير المسار، فمع تقلص استخراج الغاز وشيخوخة السكان المطالبين بالمزيد والمزيد من الإنفاق الحكومي، تحتاج الميزانية لأي دخل يمكنها الحصول عليه من عائدات الغاز. هولندا - بعبارة أخرى - لديها حالة شبه إدمان الهيدروكربوني، رغم أنها ليست بذلك السوء الذي تعانيه روسيا أو الدول العربية المنتجة للنفط. من جانب آخر، اتخذت النرويج نهجاً مختلفاً تماماً، كان قرارها لعام 1990 بشأن فصل إيرادات الهيدروكربونات عما تسميه «اقتصاد البر الرئيس» قراراً شجاعاً يشبه رفض شخص ما تناول أية مواد يمكن أن تؤدي إلى الإدمان. والآن يحتوي صندوق معاشات التقاعد الحكومي الناتج على ما يقرب من 900 مليار دولار، وهي مبالغ أكثر من كافية لتغطية النواقص في الميزانية التي تتوقع الحكومة أن تظهر في الثلاثينيات من القرن الحالي في الوقت الذي ترتفع فيه حصة المتقاعدين في عدد السكان بالبلاد. المشكلة هي أنه يمكن أن يكون هناك شيء من هذا القبيل كما هو الحال مع الكثير من المال. في البحث عن أماكن للاستثمار، اضطرت السلطات النرويجية إلى توسيع ولاية الصندوق من مجرد سندات حكومية إلى أسهم في عام 1997، وإلى أصول الأسواق الناشئة في عام 2000، ثم إلى سندات الشركات في عام 2002، وأخيرا إلى عقارات في 2010. هناك بالكاد ما يكفي من الأصول الممتازة في الصندوق لمواكبة سجلها الناجح لإدارة الأموال ( حققت 15% العام الماضي وما يقرب من 5% في الأشهر الستة الأولى من عام 2014). أما الآن، فإن الحكومة تقترح مشروعاً يقوم الصندوق بموجبه بالاستثمار في الأسهم الخاصة والبنية التحتية، إدارة استثمار البنك النرويجي - وهي الشركة التي تتولى إدارة المال - لديها جوع لا يشبع لمزيد من المديرين. إنفاق المال أمر صعب أيضا، وأدى اقتراح الحكومة الائتلافية إلى إنفاق مبلغ 25 مليار دولار أو حوالي 3% من الصندوق، في عام 2015 إلى إثارة المخاوف بشأن ارتفاع حرارة الاقتصاد، حيث تمثل الحكومة بالفعل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي أكثر من أي بلد أوروبي آخر. بعض أحزاب الائتلاف الحكومي يقترحون إجراء مراجعة تنازلية للقاعدة المالية العامة في البلاد، التي تسمح بالإنفاق حتى 4% من قيمة الصندوق كل عام، ووفقاً لوزارة المالية النرويجية، هذه الكمية الجديدة من الإنفاق «ستنطوي على توسع كبير وغير لازم في المالية العامة». حتى الآن كان النرويجيون يقاومون الإغراء بتلقي الضرائب واستخدام أموال النفط للتعويض عن الفرق، فهم مدركون تماماً للأبحاث التي تبين أن البلدان الغنية بالموارد يتعين عليها إبقاء الضرائب مرتفعة من أجل أن تتجنب الفساد الحكومي وتحافظ على المساءلة أمام المواطنين. نتيجة لذلك، من المرجح أن يواصل الصندوق نموه بمعدل أسرع من إنفاق الدخل الاستثماري، وقد وصل الآن أصلاً إلى ضعف الناتج الاقتصادي السنوي للنرويج، ومن الناحية الفنية يجعل جميع أهل النرويج من أصحاب الملايين في النرويج، وهي صفة ليس لها تأثير يذكر على حياتهم اليومية. من الأفضل أن يعاني البلد مشكلة النرويج بدلاً من مشكلة هولندا، مع ذلك، نظل نتساءل: هل كان من الأفضل أن تكون هناك آلية عامية لتسوية التباينات في عالم الموارد؟ كما يتضح لنا من مثال النرويج، ربما لا تكون الأسواق مؤهلة جيداً للتعامل مع حركات رأس المال.