أفواج من المسلمين جاءوا من كل حدب وصوب, ملبين نداءً إلهيًا عظيمًا, نداء أذن به سيدنا إبراهيم عليه السلام, قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ), إنها فريضة الحج. هي رحلة إيمانية عظيمة, رحلة وجدانية تسكن قلب كل مسلم، رحلةٌ سنقف فيها عند محطات عدة, حيث: المواقيت, والكعبة, ومنى, وعرفة, ومزدلفة, والجمرات... ولنا في يوم عرفة وقفة. وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة, يجتمع ملايين من المسلمين في بقعة لا تتجاوز كيلومترات عدة, جنسيات ولغات وألوان وأعراق مختلفة تجتمع في تلك البقعة, ولا يجمعها إلا شيء واحد وهو (الإسلام). يوم سترى اللذة تسكن فؤادك في كل دعاء تدعوه, وفي كل عبادة تفعلها. ياله من يوم عظيم ومهيب حينما أقسم به ربي في قوله: (والفجر وليالٍ عشر)، ويوم عرفة هو تاسعها، وهو الوتر في آنٍ واحد. ومن تقديس المولى عز وجل له أنه يتجلى فيه تجليًا يليق بجلاله، فيباهي ملائكته بأهل الموقف, بل ويغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم, فيكون أسوأ يوم للشيطان عدو الإنسانية, قال صلى الله عليه وسلم: (ما رؤي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة, وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلّا ما رؤى يوم بدر فإنه قد رأى جبريل ينزع الملائكة), فما أعظمه من فضل يتفضل به الله على عباده. فيوم عرفة هو الركن الأساسي للحج, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) فمن لم يقف بعرفة فلا حج له، وما سواه من الأركان والواجبات يمكن استدراكها وجبرها.