سألني ذات مرة دبلوماسي أوروبي سبق أن التقينا لعدة مرات في بعض الاجتماعات والمناسبات الدبلوماسية في العاصمة طرابلس وحيرني بسؤاله الذي كان فيه في الحقيقة كثير من المنطق، وليست له إجابة مقنعة أو واحدة عندي على الأقل. ويحرص الدبلوماسيون الأجانب على معرفة ما يخفى عليهم من نظرائهم من الدبلوماسيين العرب لكون الدبلوماسي العربي يتحدث نفس اللغة للدولة المضيفة ويعرف لسان القوم وربما هو أكثر التصاقا بعاداتهم وتقاليدهم وفهمهم النفسي والمعنوي للتفكير واللغة والدلالات، وكان السؤال بالتحديد، أن الرجل قرأ على جدران المدينة مجموعة عبارات ويود الثبت من فهمها ودلالتها، والعبارات كما بينها لي في السؤال على النحو التالي «ليبيا حرة» وطرابلس حرة والأندلس حرة» والأندلس بالمناسبة هو حي من أحياء العاصمة ويقطنه الأجانب وربما منهم صديقنا الدبلوماسي الذي شاهد تلك العبارة على أحد الجدران. في الحقيقة لم يكن لدي جواب محدد إلا أن توضيح المقصود بتلك العبارات هو زوال وضع وحلول وضع جديد مكانه وذهنية الناس تعتقد أن الوضع المرفوض كان احتلالا وعبودية وفي ذات الوقت يسود الاعتقاد أن الوضع الجديد والقوة المسيطرة اللاحقة هي التي ستأتي بالحرية للبلاد وللمدن وللأحياء أيضا. حقيقة لا اعرف هل اقتنع الرجل بما دار بيننا من حديث أم لا، ولكن المهم أنني ذهبت أفكر في جوهر السؤال كلما تصاعدت الأحداث في عموم البلاد الليبية وتخيلت انه مع سيطرة فصيل أو جماعة مسلحة على إقليم أو مدينة أو حتى حارة في مدينة ليبية هنا أو هناك سنجد من يكتب أن الحرية جاءت وأن الطغيان والظلم والاحتلال قد ولى. وفي الحقيقة لا شيء تغير بل قد يكون التغير للأسف إلى الأسوأ. وأقول ذلك عندما نعرف أن بعض المدن مثل طرابلسوبنغازي أصبح هناك تحاور بين الجهات التي تتقاتل حولها على اختيار وقت تقف فيه الأسلحة عن إطلاق النار لمحاولة معالجة بعض الشؤون الإنسانية. سؤال زميلي الدبلوماسي الأوروبي عاد إلى ذاكرتي من جديد عندما رأيت السيد عقيلة صالح في اجتماعات الدورة الرابعة والثمانين الأخيرة للأمم المتحدة وهو يناشد المجتمع الدولي والأممالمتحدة على توسيع دور الأممالمتحدة في ليبيا. ومناشدة المجتمع الدولي لمساعدة ليبيا في تخطي الأزمة التي تمر بها، ولتحريرها من سيطرة الفصائل المسلحة، وذلك عبر دعم الشرعية المتمثلة في البرلمان الليبي الذي افرز مجلس النواب الأخير. هاجس التحرير والتحرر اعتقد انه ترسخ إلى حد ما في الأزمة الليبية وهو في تقديرنا يعكس مفهوما خطيرا في ثنايا الصراع هناك ألا وهو رفض الآخر، والأخطر من ذلك أن هذه التيمة التي تغذي استمرار الصراع تقوم على حقيقة مفزعة وهي ضعف الخصوم ضمن عملية الصراع العامة بشكل لا يمكن أي منهم من تحييد الطرف الآخر بصورة نهائية. كل هذا المخاض الصراعي والذي يلحق به شق من الحوار الخجول بين الليبيين يأتي في ظل تبلور لجهات معينة داخل الصراع مثل قوات فجر ليبيا التي تتكون من خليط من القوى المسلحة وأصبحت ذات تأثير ملموس على مستوى المنطقة الغربية بوجه خاص وهناك أحاديث عن التخطيط لامتداد نفوذها إلى مناطق مختلفة في عموم البلاد الليبية أبرزها منطقة بنغازي وربما ما وراءها. أي دور للأمم المتحدة مهما توسع فلن يأتي لليبيين بالتحرير والتحرر من أنفسهم، ومع الإيمان الكامل بضرورة أن يكون هناك دور للأمم المتحدة وللمجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه ولدول الجوار وللدول العربية ذات القبول العام والتأثير في بعض الأحداث في ليبيا إلا أن أي بناء لا يقوم على توافق الليبيين أنفسهم سيكون بناء هشا ويحتمل سقوطه في أي وقت. ولن يدفع عن الناس في ليبيا غائلة الموت والحصار. معضلة أخرى تتم بمعرفة الأممالمتحدة في ليبيا هذه الأيام وبمعرفة المبعوث الدولي إلى ليبيا السيد برناردينو ليون وهي أن هناك مؤشرات وبوادر لحوار بين بعض الأطراف الليبية وأن هناك توجها إلى الدعوة لوقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي شامل بين الليبيين. كل ذلك يكون مفهوما ويجعل دور المنظمة الدولية أكثر مقبولية لو أن من الأطراف التي تشارك بالحوار من الجهات التي تمسك بالسلاح، أما أن يكون الحوار واللقاء بين بعض البرلمانيين حديثي العهد بالعمل السياسي ومن لا يملكون تأثيرا حقيقيا على مجريات الأحداث فان ذلك قد يعني جولات جديدة من البحث عن التحرير. مستشار وباحث في الشأن الدولي