انتهى الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2014م بإعلان الجيش الوطني الليبي انه يسيطر على 80٪ من مناطق بنغازي، وانه تم للجيش إخراج المجموعات المسلحة المتطرفة من المدينة ولم يبق أمام قوات الجيش سوى تطهير بعض المناطق، الرسالة التي ربما كانت ذات مغزى خاص هي إعلان وزير الداخلية الليبي أن الجيش يسيطر بالكامل على الآبار والحقول النفطية في المنطقة الشرقية. الجيش الوطني الليبي أعلن انه في طريقه حسب خطته الإستراتيجية إلى طرابلس ليحقق على أرضها ما يقال انه تحقق على ارض بنغازي. أي تخليصها من الميليشيات التي تدير أمور الناس فيها وفي أجزاء واسعة من المنطقة الغربية. وفي ذات الوقت تعلن الميليشيات المهيمنة على الأوضاع في طرابلس أنها بصدد تنظيم تظاهرة رياضية ومارثون أطلق عليه اسم "ماراثون فجر ليبيا للسلام". في الحقيقة أن أطراف الصراع على الأرض الليبية دأبت على التقليل من نجاحات الخصم بطريقة شبه مكشوفة، ومع ذلك يمكن القول انه من الصعب الركون إلى رأي طرف واحد دائما وبشكل مطلق حتى وان كان ذلك الطرف هو الذي يمثل الدولة والشرعية المعترف بها دوليا. وعلى الجانب الآخر لا يمكن الوثوق تماما بما قيل أن التظاهرة الرياضية التي شهدتها مدينة طرابلس يوم 1 نوفمبر وساهم فيها سلاح الجو ووزع الزهور والهدايا على المواطنين! هذه المقاربات بين ما حدث في المدينتين الرئيسة في البلاد تكاد تصيب المراقب بالدوار، لكونها تمثل حالة تراجيدية غير مسبوقة بين الهدوء النسبي الذي قد يحل بمدينة تعيش أجواء الحرب. وبين التطهير الكامل لمدينة تعج بجيوب وخلايا تابعة للتنظيمات المسلحة منذ ثلاثة أعوام. هذا الواقع المربك ربما هو الذي جعل السيد برناردينو ليون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا يظهر خلال هذه الفترة بطريقة فيها كثير من عدم الانتظام، فمنذ أن تولى مهمته في ليبيا وهمه الأكبر تحقيق هدف الحوار الشامل بين الفصائل الليبية السياسية والقبلية والمسلحة الجهوية وغيرها، للوصول إلى حل يرضى الجميع ويضع البلاد على طريق الديمقراطية وبناء الدولة وأجهزتها الضرورية، ولكن يبدو أن السيد ليون يواجه عقبات حقيقية تقف حجر عثرة في طريق مهمته تلك، وربما أنها نفس العقبات التي واجهت سلفه اللبناني السيد طارق متري، الذي أعلنت جهات سياسية ليبية رفضها لرؤيته للحل في ليبيا، وأكثر من ذلك تردد في طرابلس مطلع هذا العام أن هناك مقاومة شديدة لاستمراره في موقعه، وأعلنت جهات ليبية رفضها العلني لما سمته تدخله المرفوض في شؤون الليبيين، السيد ليون ربما لن يكون أفضل حظا من سلفه، والمتتبع لتصريحاته الأخيرة يجد أن فيها بعض الارتباك الذي يعكس ربما شعوره بمواجهة مهمة صعبة في ليبيا. وهذا في الحقيقة لا يعيب شخص السيد ليون في شيء وهو الدبلوماسي الاسباني المتمرس في عمله، والذي يعتقد انه يعرف إلى حد كبير منطلقات الذهنية العربية العامة كونه سبق أن عمل سفيرا لبلاده في القاهرة. ولكن يبقى النجاح في بعض المهام شيئا يختلف عن شخصية المرء وما يملك من مقومات، هناك جهات أشارت إلى المعضلة التي ربما يواجهها السيد ليون بين الليبيين وفسرت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون إلى طرابلس في مطلع أكتوبر الماضي إلى طرابلس والتي حث الليبيين فيها على الحوار، على أنها تأتي في جزء منها لدعم وتقوية موقف مبعوثه إلى ليبيا. السيد ليون كأنه تلمس أهمية القوى الإقليمية وخاصة الطرف المصري وأهمية تأثيره في جزء من المكون الليبي، فنجده يؤكد وبإشارات قوية ولا تقبل التأويل للقيادات المصرية ولقيادات الجامعة العربية أن الوضع القائم في البلاد الليبية غير مقبول، وأن استمرار ذلك الوضع على ما هو عليه لن يساعد أبدا على إقامة حوار بين الليبيين وبالتالي فلن يكون هناك اتفاق ينهي حالة الحرب في ليبيا. لا ينكر كثيرون صعوبة الأوضاع في الأزمة الليبية، وهذا ربما ما ينعكس على شخصية مبعوث الأمين العام بالتعاطف، كونه وضع في مأزق، لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن عيون الجميع أن من يعيش المأزق الحقيقي هم أهل ليبيا. * مستشار وباحث في الشأن الدولي